مصائب قوم عند قوم فوائد، هكذا كانت الموجة الحارة وبالًا على مصر والمصريين الشقيانين فى المصانع والمزارع، وهؤلاء الجنود المرابطين بكامل عتادهم تحت شمس جهنم فى عز نهار رمضان، بينما «زاطت» وزهزهت تجارة المراوح والتكييفات، وتضاعفت أرباح المستوردين والوكلاء والموزعين وتجار الجملة والتجزئة.
ولم يفت مشايخنا الأعزاء الفرصة للإدلاء بدلوهم حتى ذهب البعض منهم إلى أن تلك الموجة الحارة هى قرصة ودن من رب العالمين لتذكير العباد بنار جهنم، وكأن شعوب دول الطقس الحار يعيشون فى طقس من جنة رضوان، ودخلت دار الإفتاء على الخط، وأطلقت بعض الأدعية الخاصة لمواجهة الموجة الحارة التى تشهدها البلاد مطالبة المواطنين أن يكثروا من الدعاء بالقول: «اللهم أجرنى من حر جهنم».
وأوضحت الدار، عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا كان يومٌ حار ألقى الله تعالى سمعه وبصره إلى أهل السماء وأهل الأرض، فإذا قال العبد: لا إله إلا الله، ما أشد حر هذا اليوم، اللهم أجرنى من حر جهنم، قال الله عز وجل لجهنم: إن عبدًا من عبادى استجارنى منك، وإنى أشهدك أنى قد أجرته.
لم يتذكر أحد وسط تلك الموجة الحارة ولو بكلمة قصة هؤلاء الكفار الذين كان لهم فضل اختراع مكيف الهواء، بطل القصة الكافر الأمريكى ويليس كارير ولولاه لما كانت الحياة بمثل ما هى عليه اليوم، من تحقيق المزيد من المنجزات لا سيما فى البلدان الصحراوية والحارة وأبعد من ذلك فى انعكاس هذا الاختراع على الاقتصاد والصناعة فى العالم.
وعندما يشتد الحر كما يقول موقع «العربية نت»، ربما قلة هم الذين يتذكرون أن وراء الهواء البارد الذى ينعش الأجواء ويساعد على أداء الأعمال والراحة مخترع بذل جهده وطاقته لكى يمنح للبشرية هذا الاختراع الكبير.
ولد المهندس كارير فى ٢٦ نوفمبر ١٨٧٦، فى حى أنجولا السكنى بمقاطعة إيرى فى ولاية نيويورك، وحصل على درجة الهندسة من جامعة كورنيل فى عام ١٩٠١ وبدأ حياته العملية فى نفس عام التخرج.
فى عام ١٩٠٢ بعد عام من تخرجه كان كارير قد صمم أول نظام حديث لتكييف الهواء، وهو الاختراع الذى سوف يتطور فيما بعد ليشغل العالم أجمع، ولا يستغنى عنه من أحد.
وقد جاء الإيحاء بهذا الاختراع من خلال منصة القطارات فى مدينة بيطسبرج، حيث كان كارير ينتظر القطار هناك ذات مساء من عام ١٩٠٢ ولاحظ كمية الضباب الكثيف، وفكر أنه يمكن تقليله من خلال تجفيف الهواء بتمريره فى الماء.
وبمجرد أن ركب القطار فقد اختمرت لديه فكرة بأنه يمكن السيطرة على الحرارة والرطوبة، وهذا ما قاده لاختراع المكيف، بأن يكون شغله الشاغل كيفية التحكم فى رطوبة الجو.
وفى غضون السنة كان قد أكمل اختراعه الذى قام على فكرة التحكم بالهواء من خلال كمية معينة من الرطوبة فيه، وقد كان هذا الاختراع الأولى اللبنة التى قامت عليها أجهزة التكييف الحديثة.
فى عام ١٩١١ تطور كارير من نظام أجهزة الضغط فى التبريد وطور اختراعه، وفى عام ١٩١٥ كان قد أسس شركة كارير التى تعمل فى أجهزة التبريد.
وقد حصل نتيجة هذه الجهود على دكتوراه فخرية من جامعة ليهاى سنة ١٩٣٥، وكذلك من جامعة ألفريد عام ١٩٤٢.
وقد توفى فى نيويورك فى ٧ أكتوبر ١٩٥٠ وأدرج اسمه فى القاعة الوطنية الأمريكية للمخترعين ضمن الأسماء الشهيرة التى قدمت مخترعات مفيدة للبشرية، وذلك فى عام ١٩٨٥.
وفى عام ١٩٩٨ اختارته مجلة التايم ضمن أكثر مئة شخصية مؤثرة فى القرن العشرين.
ومن الجوانب المثيرة للانتباه فى حياة كارير أنه عانى فى طفولته من مشاكل مع الرياضيات، فهذا الرجل الذى قاد الاختراع الذى مكّن من السيطرة على البيئات الداخلية للمباني، لم يكن كطفل قادر على استيعاب مفهوم الكسور.
ولحل هذه المشكلة كانت والدته تقوم بتقطيع التفاح إلى أجزاء حتى تستطيع أن تقرّب له هذا المفهوم، وكيف يتعامل مع الكسور جمعًا وطرحًا.
وقد قال لاحقًا إن ذلك كان أهم الدروس التى تعلمها على الإطلاق، وأنه علّمه قيمة حل المشاكل بأسلوب ذكي.
أدى اختراع كارير للمكيف إلى ازدهار الاقتصاد والصناعات، بحيث غيّر فى العديد من الظروف المطلوبة للتصنيع والتطوير فى مجالات الحياة المختلفة.
واستطاع «أب مكيف الهواء» أن يقود البشرية إلى فجر جديد، بهذا التطور الكبير فى الصناعات، من السلع المخبوزة إلى الصناعة المتقدمة، وحيث مكّن هذا التحكم الدقيق فى درجة الحرارة والرطوبة مراكز التسوق وأجهزة الكمبيوتر والخوادم التى تشغل الإنترنت اليوم من العمل بكفاءة.
ويعيش إرث ويليس كاريير اليوم مع استمرار الشركة التى أسسها فى إعادة ابتكار الصناعة وتشكيل العالم الذى نعيش فيه.