كان أبو الغيط ينام على «المصطبة» أمام الدار وسمع «زغاريد»، وشاهد أهل القرية يهرولون باتجاه بيت العمدة، ففزع ينادى على المارة: «هو فى إيه يا رجالة.. فيه إيه يا ست منك لها.. إيه الهيصة اللى عند دوار العمدة»، أجابه أحد الشباب: «مسكوا عشماوي».. سأله أبو الغيط: «عشماوى بتاع الإعدام أبو شنب!» أجاب الشاب: «لا يا عم أبو الغيط عشماوى ده الإرهابى اللى قتل الضباط والعساكر بتوعنا»، صاح أبو الغيط: «ابن الكلاب وقع.. ليلة أمه مطينة بهباب والله لضربه عيارين زى الحمارة.. ولا لأ خسارة فيه العيارين.. ده عايز ضرب البلغة لغاية ما نفوخه يقع».
أسرع أبو الغيط إلى دوار العمدة وفى طريقه سمع حكايات عما فعله هذا المجرم من قتل وتفجيرات.. رأى الزغاريد تختلط بالدموع فى عيون أمهات الجنود.. رأى زوجات الضباط ترفع صور أزواجهن.. رأى الأطفال اليتامى يصرخون: «اعدموا قاتل أبنائنا»، تدافع بين الصفوف حتى وصل إلى مندرة العمدة، ووقعت عيناه على المجرم مكبلا بالأصفاد فقال للخفراء: «اتأكدوا إنه مش لابس حزام ناسف»، ثم دنا منه، وقال: «وقعت يا بن اللئيمة ووقعتك سودة إن شاء الله.. إنت بقى اللى عمال تضرب عيالنا فى ضهرهم.. بعت بلدك بكام يا كلب؟».
صرخ العمدة: «اسكت يا أبو الغيط خلى التحقيق ياخد مجراه»، لا يا عمدة التحقيق ده يخصنا.. عيالنا هم اللى ماتوا غدر وأبو الغيط ما يسبش حقه.. أنا شيلت عدة تليفونى علشان بيغسلوا السنترال والميا ما تبوظهاش، وما دام تليفونك شغال اتصل لى بالريس قوله أبو الغيط عايزك فى موضوع»، ضحك العمدة وقال له: «الريس حتة واحدة يا أبو الغيط!»..أيوا يا عمدة الريس قوله الموضوع ده يخصنا.. يخص كل فلاح بعت ابنه للجيش يحمى بلده.. يخص كل عيال البلد اللى اتيتموا.. يخص الأمهات اللى فقدت ولادها.. يخص بناتنا اللى دموعها ما نشفتش على رجالتها.. قوله كده يا عمدة وهو عارف وفاهم يعنى إيه حرقة قلبنا.. قوله إن لو بيحبنا يخلينا نطفى نارنا بإيدنا.. والكلب ده واللى زيه ما يموتش غير بالضرب بالبلغة علشان يبقى عبرة.. وقوله كمان أبو الغيط بيقولك عفارم عليك وعلى كل الرجالة اللى جابوا الخسيس الجبان لغاية هنا.. وبلغوا إن أبو الغيط نيابة عن البلد بحالها بيقوله فرحتنا».
تأثر العمدة بحديث أبو الغيط، وقال له فى نبرة خالطها البكاء: «طيب يا أبو الغيط هقوله.. خد بقى الناس وامشوا دلوقتي»، رد أبو الغيط: «أيوا أنا همشى أروح أفرق شربات على كل بيوت البلد وأقولهم افرحوا وفرحوا العيال»، خرج أبو الغيط من دوار العمدة وبعد عدة خطوات قال لنفسه: «امشى إزاي! ثم خلع البلغة وعاد مسرعا ينادى على العمدة مش أبو الغيط اللى يسيب تاره، وانهال بالبلغة على رأس عشماوي.. مين اللى ضحك عليك يا ابن الكلب وقالك إننا ممكن نسيب حقنا؟.. مين اللى قالك يا بن الكلب إن الأسود ممكن فى يوم تهاب الكلاب؟.. مين اللى قالك إننا ممكن نفرط فى شبر من أرضنا؟.. يا بتاع الكلاب كل اللى جانا غادر دفناه تحت رجلنا.. وحاربناه بإيدينا قبل السلاح.. يا بتاع الكلاب أنبيا جم هنا احتموا بنا ونصرناهم.. فإزاى يتهيألكوا إن شجر الكفر يطرح فى أرضنا؟.. لكل الكلاب النباحة هتيجوا هنا وهتنضربوا ببلغة أبو الغيط.. وتحيا مصر.. شيلوه يا عيال وركبوه على الحمارة بالمقلوب».. ولنا لقاء آخر حينما تصطاد الأسود كلبًا آخر عما قريب.