إن الركيزة الأساسية التى يستند إليها مذهب أفلاطون الفلسفى هى القول بأنه لا يمكن إدراك الأشياء الجزئية إدراكًا يقينيًا، وأن «العلم» Science يبحث دائمًا فى الكليات وفى «الصور» Forms أو الخصائص الجوهرية للأشياء وعلاقتها بعضها ببعض.
إن الكليات: كالعدالة والجمال... إلخ لها وجود دائم يمكن إدراكه، أما الأشياء الجزئية فهى فى تغير مستمر وتتخذ أشكالًا مختلفة، ولا تُدْرَك إلا بالحواس، غير أن الحواس خادعة ولا يمكن الاعتماد على شهادتها لأنها تختلف حسب الزمان والمسافة والحالة الانفعالية للإنسان. وعلى ذلك فإن الإدراك الحسى ليس هو العلم بالمعنى الحقيقي، لأن الإدراك الحسى يصور لنا الشيء نفسه تصورات متناقضة متضاربة. وإذا كان العلم هو العلم بالكليات، فيجب إذن البحث فيها، ولهذا وجه أفلاطون عنايته الأولى إلى البحث فى الكليات، ليستطيع، بعد ذلك، أن يقيم على هذا الأساس مذهبه، سواء مذهبه فى المعرفة والوجود أو فى السياسة والأخلاق، أو فى الفن.
إن اسم أفلاطون يبعث فى الذهن على الفور «نظرية المثل». وقد عرض أفلاطون هذه النظرية فى عدة محاورات. ويعنى أفلاطون «بالمثال» الحقيقة وراء الظواهر المحسوسة الدائمة التغير، ولنلاحظ أن كلمة «المثال» فى اليونانية تعنى «الصورة» أو «النموذج». ولم يكن أفلاطون مبتدعًا لهذا التصور، إذ قد استُعْمِلت كلمة «المثال» من قبله عند الفيثاغوريين وهم الذين انتهوا إلى القول بأن العدد أو الشكل الهندسى هو حقيقة الأشياء، وقد كان لتفسيرهم الرياضى هذا أكبر الأثر فى فكر أفلاطون. أما المصدر السقراطى لنظرية المثل الأفلاطونية فيتمثل فى محاولة سقراط تحديد تعريفات ثابتة للتصورات الأخلاقية، إذ كان يبحث عن ماهية «الشجاعة» أو «العدالة» لكى ينتهى إلى الحقيقة الثابتة التى لا تتغير مهما تغيرت أمثلتها. فالتصورات التى كان سقراط يهدف إلى تعريفها لا تتعدى التصورات الأخلاقية. أما نظرية المثل فى المحاورات الأفلاطونية فقد اتسعت لتفسير جميع الموجودات سواء منها الأخلاقية أو الطبيعية.
ولنظرية المثل جانب منطقى وجانب ميتافيزيقي. ففى الجانب المنطقى نجدها تميز بين الموضوعات الجزئية التى تنتمى إلى نوع ما، والألفاظ العامة التى نطلقها عليها. وهكذا فإن اللفظ العام «أسد» لا يشير إلى هذا الأسد أو ذاك وإنما إلى أى أسد، أى أن معناه مستقل عن أى أسد بعينه، وعما يحدث لأى أسد كهذا، كما أن هذا المعنى لا وجود له فى المكان والزمان، وإنما هو أزلي، أما فى الجانب الميتافيزيقي، فإن النظرية تعنى أن هناك فى مكان ما أسدًا «مثاليًا» - أى أسد بما هو كذلك - فريدًا لا يتغير، وهذا هو ما يشير إليه اللفظ «أسد»، أما الأسود الجزئية فتكون ما تكونه بقدر ما تندرج تحت الأسد «المثالي» أو تشارك فيه. أى أن المثال كامل وحقيقي، على حين أن الشيء الجزئى ناقص وظاهرى فحسب.