السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسيقى موتسارت

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«دائمًا ما تعبر موسيقى موتسارت عن الأطوار الحسية المباشرة، التى تندفع بشكل مباشر إلى الأمام، لتُظهر الشعور الجوانى العميق، إنها طاقة وتوق وعاطفة؛ هى الرغبة فى تعاقب اللحظات.. لذلك فإنى مدين بكل شيء أستطيع أن أتحدث عنه لموتسارت». تلك كلمات المفكر الوجودى «سرن كيركجور» وتعبيره عن أهمية موسيقى «موتسارت» - خاصَة أوبرا دون جيوفانى Don Giovanni - التى تجسد المثال الجمالى فى كل قواه، فهذه الموسيقى أفضل مجال للتعبير عن الجانب الحسى المباشر للفرد.
والواقع أن «موتسارت» استخدم - فى التعبير عن مشاعره وأفكاره - كل القوالب الإيقاعية والنغمية التقليدية، ولكنه زادها كلها عمقًا. وقد ألف، وهو صبى صغير فى الثانية عشرة من عمره، مسرحية غنائية بعنوان: «باستيان وباستيين»، استخدم فيه حوارًا كلاميًا بين الأجزاء الغنائية على نمط مسرحية «روسو» الغنائية التى أحرزت نجاحًا كبيرًا والتى تسمى «عراف القرية». وعندما أصبح موسيقيًا ناضجًا ظهر فى مؤلفاته تأثير «الرباعيات الروسية لهايدن - الذى كان له بمثابة الأب - وقد أهدى «موتسارت» بعض رباعياته إلى «هايدن» لكى يعرف العالم مقدار ما يدين به لموسيقى فيينا الكبير. كذلك تأثر «موتسارت» بالإصلاحات التى أدخلها «جلوك» على الأوبرا الفرنسية، ولكنه رأى أنه من الواجب أن يظل الشعر ابنًا مطيعًا للموسيقى لا العكس؛ كما أراد «جلوك فى البداية. وقد تعلم «موتسارت» من «جلوك» أن تصوير الأحداث الدرامية بطريقة واقعية هو من الضرورات الفنية، ولكنه افتتن أيضًا بالألحان الإيطالية.
وفى أوبرا «زواج فيجارو» عبر «موتسارت» عن الانحلال الأخلاقى للطبقة الأرستقراطية، وهذا موضوع كان من العوامل البارزة التى مهدت للثورة الفرنسية. وشخصية «فيجارو» - فى هذه الأوبرا - ترمز إلى كل الصراع الذى وجد «موتسارت» نفسه فيه، والذى كان على الدوام ضحية له. 
وقد كانت طريقة الموسيقى والنص فى الدراما الموسيقية التى وضعها «موتسارت» متوازنين بطريقة سليمة - كما أوضح ذلك جوليوس يورتنوى فى كتابه: «الفيلسوف وفن الموسيقى» - حيث عمل على زيادة عدد المجموعات الغنائية فى الأوبرا بالنسبة إلى عددهم عند السابقين عليه، على أساس أن المجموعة الغنائية تُحدث على المسرح تأثيرًا دراميًا يفوق تأثير المغنى الواحد. كما أنه أظهر مقدرته المسرحية بإعطائه الشخصيات الرئيسة فى الأوبرا أسلوبًا محدد المعالم طوال العرض. وقد عمق هذه الشخصيات بوسائل لم تعرفها التقاليد السائدة من قبل، وذلك بإيجاد جو هزلى له أساس خلقى جاد. غير أن هذا التجديد فى الأوبرا لم ينجح فى إيطاليا، إذ كان التراث الإيطالى قد تغلغل فى نفوس الإيطاليين إلى حد أنهم أصبحوا ينفرون من أى مزج بين الأوبرا الجادة والأوبرا الهزلية.