(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)
عندما عاد سيدنا إبراهيم وزوجته سارة من مصر إلى فلسطين، وأقام فيها، وكان مع سارة جاريتها «هاجر» التى وهبها لها ملك مصر، فكانت السيدة سارة لا تنجب، وقد تقدم العمر بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وليس له أولاد، ولاحظت السيدة سارة هذا، وعز عليها أن لا يكون لزوجها أولاد، وبما أنها عقيمة لا تنجب، ففكرت أن تهبه جاريتها «هاجر»، لتكون جارية له، يتسرى بها، ويعاشرها، لعلها تحمل منه؟
وبالفعل قدمت سارة جاريتها «هاجر» هدية إلى سيدنا إبراهيم، ووهبتها له، وأصبحت ملك يمينه، يتصرف فيها كما يشاء، وبالفعل عاشر إبراهيم جاريته هاجر، وقدر الله أن تحمل منه، فولدت له ابنه البكر «إسماعيل» والذى جعله الله نبيًا. وبعدما أنجبت هاجر إسماعيل فى فلسطين، أمر الله إبراهيم بأن يأخذ ابنه الرضيع وأمه من فلسطين إلى بلاد الحجاز، وأن يضعهما هناك فى وادٍ غير ذى زرع، لأمر يريده الله عز وجل، وكان إبراهيم بعهده دائمًا مع الله فى طاعته وتنفيذ أوامره، ملتزمًا بها، ولا يخالفها، ولا يخرج عليها، فكان مستسلمًا لله، متوكلًا عليه، وواثقًا به، ومفوضًا أمره إليه.
وهذه الرواية الحقيقة على عكس ما تذكره الإسرائيليات، وهى أن السيدة سارة كانت تغار من هاجر، وأنها لم تعد تسطيع رؤية هاجر، وابنها فى البيت، وأنها أمرت سيدنا إبراهيم بإبعادهما، لأن السيدة سارة من أعظم النساء إيمانًا ورضاءً لأوامر الله وقضائه، وكيف أن تكون سارة كذلك، وهى التى أهدت السيدة هاجر لسيدنا إبراهيم حتى تكون زوجته وتنجب له أكبر أبنائه، وأولهم.
ولتكون رحلة السيدة هاجر وسيدنا إسماعيل لأرض الحجاز نقطة تحول فى تاريخ الدعوة، وآية أخرى من آياته عز وجل على قدرته وحكمته، وأن هذه البقعة ستكون فى يوم من الأيام أفضل وأشرف مكان على وجه الأرض، ووقتها توجه سيدنا إبراهيم بالدعوة لله وسؤاله بأن يجعل البلد الذى سينشأ فى ذلك المكان آمنًا، وألا تُعبد فيها الأصنام، التى أضلت الكثير من الناس، كما دعاه بأن يحفظ هاجر وإسماعيل فى ذلك الوادى الفقير الذى لا يوجد فيه زرع ولا ماء، ولا أشجار ولا ناس، ولم تكن به أي من مظاهر الحياة، بل طلب منه بان يحوله إلى وادٍ مثمر، فيه ماء، ويسكنه أناس، ويقيمون فيه.
واستجاب الله لدعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وتم بناء بيت الله الحرام، فى ذلك الوادي، وأقيمت هناك مكة المكرمة، وسكنها الناس، وظهر الماء ونبت الزرع، وعمر بالحياة والأحياء، وصار بلدًا آمنًا ورزقه الله من الثمرات أفضلها، وأجودها على مدار العام.
وبعد أن تركهما سيدنا إبراهيم فى ذلك الوادي، حيث وضعهما هناك ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ثم انطلق سيدنا إبراهيم، لتجد السيدة هاجر وحدها هى ورضيعها، بهذا الوادى الفقير، وأخذت هاجر ترضع صغيرها إسماعيل، وتشرب من ذلك الماء، حتى نفذ ما فى السقاء وشعرت بالعطش، ووجدت رضيعها يتلوى، فانطلقت حتى وصلت إلى «الصفا» وهو أقرب جبل فى الأرض، فقامت عليه، واستقبلت الوادى تنظر، ولم تجد أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى بلغت الوادى ورفعت طرف ذراعها، ثم سعت حتى وصلت إلى «المروة»، فقامت عليه، فنظرت ولم تجد أحدًا وظلت هكذا بين الصفا والمروة لسبع مرات، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتًا، حتى ظهر الماء فجعلت تحوطه بيدها، فشربت وأرضعت ولدها، وبدأ الناس يفدون إليها من كل الوديان، لتبدأ قصة سيدنا إسماعيل وبناء الكعبة مع والده فى ذلك الوادى العامر المثمر بأمر الله.