زمان كان لشهر رمضان بهجةٌ لا توصف؛ فقد كنا نستعد لقدوم رمضان قبلها بشهرين، فبمجرد بداية شهر رجب تشعر بأن روائح رمضان تهب على وادينا الطيب الأخضر الجميل الذى يحتفى بالمناسبات والمواسم والأعياد، يحتفى بها بالفرحة والمعايدات والولائم والعزومات والملابس الجديدة والكعك والبسكويت والغريبة والياميش والمكسرات وكل ما لذ وطاب من الطعام، ولكل مناسبة طقوسها الخاصة وطعامها الخاص.
وقبل رمضان بشهر كانت المكسرات والياميش والبلح وحاجات رمضان الأخرى يتم عرضها فى شوادر كبيرة تقام خصيصًا لذلك، كما أنه قبل قدوم الشهر الفضيل بأيام كانت تُقام أفران خاصة بالطوب اللبن لعمل الكنافة والقطايف طوال شهر رمضان، ولا تهدم هذه الأفران إلا بعد انتهاء الشهر الفضيل وثبوت رؤية هلال شوال.
وكانت ليلة رؤية هلال رمضان احتفالية مستقلة وحدها، يأتى فيها مسحراتية رمضان مجتمعين يهللون ويكبرون ووراءهم أطفال البلدة أو القرية معلنين أن الليلة الرؤية لهلال رمضان، احتفاءً بالشهر الكريم، ولتجسيد فرحة الأطفال به لتشجيعهم وحثهم على الصيام. وتزدان المساجد بالأنوار على المآذن والقباب، وتعلو الأصوات بالقرآن والدعاء فى كل مكان، وتبدأ صلاة القيام مع إعلان رؤية الهلال فى أول ليلة من ليالى رمضان.
كنا نرتبط بالمسلسل الديني، حيث شاهدنا أهم المسلسلات الدينية فى رمضان بدايةً من «على هامش السيرة» ومرورًا بمسلسل «محمد رسول الله» بأجزائه المختلفة وانتهاءً بمسلسل «الكعبة المشرفة».. وغيرها. كانت هذه المسلسلات الدينية التى كنا نشاهدها قبل الإفطار تمنح رمضان طعمًا خاصًا، كما كان حديث الشيخ الشعراوى «اليومي» أحد أهم علامات شهر رمضان.
ولا أعلم لماذا افتقدنا بهجة شهر رمضان فى السنوات الأخيرة؟، هل السبب هو كل ما مر على وادينا الأخضر من سفكٍ لدماء الأبرياء سواء من الجيش أو الشرطة أو المواطنين «مسيحيين ومسلمين»، لم نسلم منذ سنوات من الإرهابيين الذين سمموا إحساسنا بالبهجة، ونشروا الموت والخراب والعنف والتطرف فى أرجاء البلاد. لم يجعلوا حرمةً للدماء فسفكوها، ولم يجعلوا حرمة لرمضان فأهانوه، ولم يجعلوا حرمة للدين فأهدروه.
وربما إحساس الكبار ببهجة رمضان لم يعد كما هو مثل الصغار، وربما إحساس الكثيرين بالبهجة قل إلى حدٍ كبير بموجة الغلاء التى تشهدها الأسواق، ولم تترك غنيًا أو فقيرًا إلا وطالت جيبه ومدخراته وبعض ما كان يوفره درءًا لغدر الزمان، وكنت أتمنى على وزير الكهرباء تأجيل إعلان أسعار شرائح الكهرباء الجديدة لما بعد رمضان حتى لا يُفسد على الناس ما تبقى لهم من البهجة الرمضانية.
ورغم كل الصعاب التى نواجهها، فلن نشعر بالإحباط أو الاكتئاب، لن نقطب الجبين، لن نعبس فى وجه بعضنا البعض، لن نغضب أو نلعن الأيام، بل سنظل محتفظين ببهجتنا فى رمضان وغير رمضان؛ فهذه البهجة وحدها هى صناعة خالصة للمصريين، وبها سوف ننتصر على الإرهاب، ونعيد لرمضان بهجته المفقودة فى هذه الأيام المعدودة.