استطاعت جبهة الانقاذ أن تقدم نموذجًا رائعًا لتطور المعارضة في البلدان التي تمر بتجربة التحول الديمقراطي، على الرغم من أن تشكيلها جاء متأخرًا، ولكن أن تأتي أفضل من ألا تأتي مطلقًا. فالخبرة المصرية السابقة خلال الأربعة عقود الماضية لم تحقق المعارضة المصرية، تجاه السلطة، ما حققته في نتيجة الاستفتاء على الدستور، الذي رفضه حوالي 36.% ممن ذهبوا إلى صناديق الاقتراع (حوالي 16.5 مليون من 51.3 مليون ناخب ممن لهم حق التصويت).
ومما لا شك فيه بأن النتائج النهائية للاستفتاء تؤكد على أن المعارضة إذا ما توحدت تستطيع أن تنجز شيئًا، خاصة أن جبهة الانقاذ تضم في تكوينها مجموعة كبيرة من الرموز والقامات النضالية التي عانت –ومازالت- في ظل الأنظمة المتعاقبة من أمثال الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى... إلخ. واستطاعت أيضًا أن تلفت إليها أنظار كثيرين من أعضاء «حزب الكنبة» الذين لم يشاركوا في الحياة السياسية من قبل.
إذن، هل تمثل جبهة الإنقاذ الأمل لدى المصريين لمواجهة التيارات الأخرى؟ وهل تستطيع الجبهة الاستمرار والتوحد على الرغم من تشكلها من عدد ليس بالقليل من القوى السياسية والأحزاب، مع احتفاظ كل منها بهويته الأصلية؟ أم ستنهار مع ثاني اختبار حقيقي لها، والمتمثل في الانتخابات البرلمانية القادمة؟!.
بمعنى آخر، ربما تفشل، أو تنجح، جبهة الإنقاذ في أن تخوض الانتخابات المقبلة بقائمة واحدة، وسيترتب على ذلك قياس مدى قوتها وتماسكها أو ضعفها، أو أن تلحق بغيرها من التجارب الحزبية التي فشلت خلال العقود الماضية. وأعتقد أنه بعد انتهاء معركة الدستور، بات الوقت مناسبًا وملائمًا أكثر من السابق لإعادة تنظيم الجبهة لنفسها مرة أخرى؛ وذلك من أجل التصدي لمحاولة انفراد التيار الإسلام السياسي بالسلطة، والمجتمع، الذي بات لديه درجة كبيرة من المعرفة السياسية بكل الأمور التي تجري من حوله، وبحاجة إلى المزيد من الوعي والثقافة من أناس يثق فيهم.
وبناء عليه، فإن على قيادات الجبهة، وهم على دراية بذلك، تقييم خبرات التحالفات الحزبية السابقة لاستخلاص الدروس المستفادة منها، الإيجابية لتعضيضها، أو السلبية لتلافيها، خاصة أن هناك الكثير من أسباب فشل التجارب السابقة مثل تلك المتعلقة بنخبوية هذا التحالفات، وأنه ليس هناك اتساق فكري ومنهجي وحزبي بين المتحالفين الجدد، وعدم توافر المقومات الأساسية والمادية لها، وعدم الاتفاق على آلية محددة لإدارة الصراع الداخلي، إلا أن ظهور جبهة الإنقاذ وإدارتها للصراع مع السلطة في الأيام القليلة الماضية مثل بارقة أمل للجميع، ويؤشر على نضج المعارضة.
ويبقى الرهان على استمرار نضال جبهة الإنقاذ والتخلي عن الزعامة الواهية، خاصة أنها أولاً تحولت إلى قوة ثانية توازن الثقل السياسي للإخوان والسلفيين، ولا بد ممن يقوّم قيادتها بتقديم نقد ذاتي لمواقفها وأدائها السياسي منذ إنشائها وحتى اللحظة الراهنة. ثانيًا، تفعيل أدائها السياسي والاجتماعي، مع حق الأحزاب والحركات المكونة لها بالحفاظ على هويتها، من خلال تكثيف تواجدها في الشارع وفي مختلف المحافظات، من خلال تقديم برامج ثقافية وتوعوية حقيقية، خاصة مع أهالينا في محافظات الصعيد. ثالثًا، ضرورة تبني صيغ تنظيمية وأساليب عمل مؤسسية جديدة، حتى لو استخدمت في ذلك مقارات الأحزاب المكونة لها في المحافظات، مثل عقد مؤتمرات مستمرة أو احتفاليات سياسية. رابعًا، لا بد من الدخول في حوار مباشر، أو التنسيق مع بعض الأحزاب ذات المرجعية الدينية، والتي تميل إلى المدنية، مثل حزب مصر القوية والتيار المصري، وغيرها. أخيرًا، يجب التأكيد بأن التحالفات والتيارات الجديدة ليس الهدف منها النيل من الإسلاميين أو إقصائهم من المجتمع، ولكن الهدف منها هو الحفاظ على وسطية ومدنية الدولة المصرية، وتقوية الحياة الحزبية في مصر، وتشكيل تيارات متنوعة للتشارك سويًّا في رسم صورة أفضل لمصر في المستقبل، خاصة أنه لا يمكن التعامل مع الأحزاب ذات المرجعية الدينية بأنها كتلة واحدة صماء متجانسة.
والخلاصة، ما زال الطريق طويلاً أمام جبهة الإنقاذ، وأن قوة الجبهة وتماسكها متوقف على قدر التنازلات التي تقدمها جميع الشخصيات والأحزاب المكونة لها، من جانب، وعلى شباب الجبهة وجهدهم في العمل مع الشارع من جهة ثانية، وعلى قدرة الجبهة في حصد أكبر عدد من المقاعد في مجلس الشعب القادم.