السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صناعة الجهل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صارت صناعة الجهل علمًا يُطْلَق عليه اسم «علم الجهل» Agnotolgy، وهو العلم الذى يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة. بدأ علم الجهل فى التسعينيات من القرن الماضى بالظهور بعدما لوحظ أن دعايات شركات التبغ التى تهدف إلى تجهيل الناس بشأن مخاطر التدخين. ففى وثيقة داخلية تم نشرها عام 1979 من أرشيف إحدى شركات التبغ الشهيرة، تبيّن أن أبرز استراتيجية لنشر الجهل كان عن طريق إثارة الشكوك فى البحوث العلمية التى تربط التدخين بالسرطان. ومن حينها انطلق لوبى التبغ فى أمريكا برعاية أبحاث علمية مزيّفة هدفها تحسين صورة التبغ اجتماعيًا ونشر الجهل حول مخاطره. 
تبدأ عملية التجهيل دومًا بالتشكيك فى الحقائق الواضحة، ثم فى مرحلة تالية يتم نقل المتشكك إلى حالة الرفض التام للحقيقة، ومن ثمَّ يصبح عقله جهازًا لاستقبال معلومات جديدة، هى المعلومات المغلوطة، وهذه الممارسة يمكن ملاحظتها فى بعض وسائل الإعلام المعادية وعلى مواقع التواصل الاجتماعى من بعض الحسابات الظلامية والمتطرفة، والتى تظل تكذب، من أجل زعزعة قناعات الناس والتشكيك فى ثوابتهم، ثم تسعى إلى محاولة تمرير أكاذيبها.
وفى مجتمعاتنا العربية تنتشر صناعة الجهل على نطاق واسع، فيعمد أصحاب العقول المعتمة، وأعداء التنوير والتقدم للترويج لمفاهيم مغلوطة، فيقومون بتشويه المفاهيم المخالفة لتوجهاتهم الفكرية والسياسية (كالليبرالية، والعلمانية، والاشتراكية، وحتى الديمقراطية) بهدف تنفير الناس من هذه المفاهيم.
ولكى ندرك أساليب التضليل التى يتبعها الخصوم، نذكر هذه الواقعة الحقيقية:
فى بدايات النصف الأول من القرن الماضى، كان «أحمد لطفى السيد» قد قرر نزول الانتخابات البرلمانية فى مصر. وقد استغل منافسوه أن الرجل يؤمن بالديمقراطية، فنزلوا إلى دائرته، وروجوا - بالكذب والباطل - بين الناخبين إن الديمقراطية تعنى المساواة بين المرأة والرجل، ومن ثمَّ - وكما نشروا بالزور والبهتان بين الناس - إن الديمقراطية تنادى بأنه إذا كان من حق الرجل أن يتزوج من أربع نساء، فإنه يكون من حق المرأة أيضًا أن تتزوج من أربعة رجال!
تزييف وتدليس وتضليل الهدف منه تشويه مفهوم الديمقراطية فى أذهان الناس، حتى ينفروا منها، ويتصدوا لها ويحاربون أنصارها.
وهذا ما حدث بالفعل! ففى أحد المؤتمرات التى عُقِدَت لمناصرة أحمد لطفى السيد بإحدى قرى مصر، وقف مواطن يسأل فيلسوف الجيل أحمد لطفى السيد: «هل أنت ديمقراطي؟ رد لطفى السيد: «نعم.. أنا ديمقراطي»، ما أن سمع الناس هذه الإجابة، حتى انصرف كل من بالسرادق على الفور، وسقط لطفى السيد فى تلك الانتخابات!
هذا هو الأسلوب ذاته الذى يتبعه أصحاب العقول المعتمة فى أيامنا هذه، يروجون بالباطل: أن «الليبرالية» تدعو للشذوذ الجنسي! و«العلمانية كفر وإلحاد.. والعياذ بالله! و«الاشتراكية».. هى تحويل المجتمع كله إلى شعب من الفقراء المعدمين!
إن من يروج لهذه المفاهيم المغلوطة، هم الصنّاع الحقيقيون للجهل والتضليل، والأخطر أنهم فى الأغلب الأعم يتخفون وراء الدين، والدين منهم براء!