سمعنا عن «غسيل الأموال» الذى انتشر بشكل أكبر مع شركات توظيف المال التى عمت فوضاها ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أظن أن الكثيرين لم يسمعوا عن «غسيل السمعة»، هو مصطلح منتشر الاستخدام فى العلاقات العامة ويعنى تحويل الصورة السيئة لدولة ما أو مؤسسة ما أو شخص ما عبر أنشطة العلاقات المختلفة، إلى صورة نظيفة خالية من الآثار السيئة التى لحقت بها، وهو جزء من عملية كبرى تقوم بها شركات العلاقات العامة ويسمونها «إدارة السمعة» وتتصل بتشكيل وتعديل صورة سمعة الآخر أو الآخرين لدى الجهات المستهدفة بذلك التحسين.
تجد أن غسيل السمعة كغسيل الأموال يفضل زبائنه استخدام محطة ترانزيت خارجية، هروبًا من الخضوع لقانون الدولة التى حدثت بها الوقائع المراد غسيل السمعة بشأنها، كما شاهدنا حين حاول البشير اللجوء لشركتى علاقات عامة فى لندن لغسيل سمعته، وكذا لجأ لهاتين الشركتين عدد من رجال دول الكومنولث بعد عدد من العمليات العسكرية التى دارت فى تلك المنطقة، ولقبت لندن بـ «عاصمة غسيل السمعة» فى العالم فى دراسة ظهرت عام ٢٠١٠م نتيجة لكثرة تعاملات شركات العلاقات العامة بها مع هذه الأنشطة التى قدرت قيمتها فى عام ٢٠١٠م بحوالى سبعة مليارات من الجنيهات الإسترلينية، ومثل جانب كبير من زبائنها متورطين فى جرائم ضد حقوق الإنسان.
لعل محاولة غسيل السمعة التى لجأ لها بعض رجال قطر فى حصارها الأخير من أبرز المحاولات فى هذا الصدد، إذ لجأ بعضهم العام الماضى إلى شركة علاقات عامة بالولايات المتحدة الأمريكية أنشأها أحد مديرى حملة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، تخصصت هذه الشركة فى جمع المعلومات السيئة عن السياسيين فى واشنطن وبيعها لمنافذ إعلامية، وتتضمن إدارة الشركة المساعد السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، جورج بيرنباوم، والخبير فى جمع التمويل لصالح الحملات الانتخابية بارى بينيت، والباحث السابق فى الحزب الديمقراطى الأمريكى جيف كلوتير، كانت مشكلة من لجأوا لهذه الشركة من قطر أنهم متورطون فى دعم الإرهاب، وكانت مهمة الشركة تحسين صورتهم لجوءًا لنشر معلومات تنظف سمعتهم، وكذلك رسم جدول أعمال لهم يدمجهم فى أنشطة ويظهرهم فى محافل تتناسب مع مناهضة الإرهاب وممارسيه ودعم السلام بكل أشكاله.
إن العلاقات العامة تهدف فى الأساس إلى نقل معلومات متبادل بحرفية بين العميل والجمور، وليس مجرد نقل معلومات مستهدفة لجمهور مستهدف، مما يعنى أن غسيل السمعة لو كان يستهدف إخفاء حقيقة أو تزييفها من أجل خداع آخرين فإنه يدخل فى نطاق الجريمة، ولا يقل ضررًا، بل ريما يزيد على غسيل الأموال فى تدعيمه للفساد المجتمعي، لاسيما أن المعلومات لا يمكن ضبطها كما يمكن ضبط الأشياء المادية لا سيما لو كانت معلومات غير رقمية لا يمكن تحديد معالمها، لذا على المجتمع الدولى مواجهة هذا الفساد.