عادت الحصبة إلى الظهور مرة أخرى بين الأطفال فى كل من أمريكا وأوربا وآسيا وأفريقيا، وبمعدلات عالية، مما أدى إلى تحرك منظمة الصحة العالمية ووزراء الصحة فى كل من أوربا وأمريكا للتوعية بأهمية التطعيمات الإجبارية وفرض غرامة على كل ولي أمر يتقاعس عن إعطاء التطعيمات لأبنائه فى الموعد المقرر، فما هى الحكاية ولماذا عادت الحصبة بعدما كادت أن تختفى تماما من العالم؟
ومن هذه القصة المأساوية يتضح أنه وبرغم النجاح الذى حققه برنامج التطعيمات الإجبارية للأطفال فى كل دول العالم، وبرغم مجهود العلماء فى اكتشاف التطعيمات منذ سنة ١٧٩٦ على يد البريطانى إدوارد جينير، والتى أدت إلى اختفاء مرض الجدري، ولويس باستير (الفرنسي) سنة ١٨٩٧ ضد الكوليرا والجمرة الخبيثة، وسولك وسابين (الأمريكيين) فى خمسينيات القرن الماضى ضد شلل الأطفال، وموريس هيلمان (الأمريكي)، الذى اكتشف الطعم الفعال ضد الحصبة والحصبة الألمانى والحمى المكفية، وغيرهم، وبرغم كل هذا النجاح جاء اندرو واكفيلد، ليفبرك أبحاثا تنشر سنة ١٩٩٨، ٢٠٠٢ تتسبب فى هز الثقة فى فعالية التطعيمات خاصة ضد الحصبة، ويعيد البشرية إلى الوراء لأكثر من قرنين من الزمان.
ولهذا السبب ولخطورة فبركة الأبحاث، فإن العالم لا يتهاون مع كل باحث يثبت تورطه وعدم أمانته العلمية ونشر أبحاث مفبركة تضر بالإنسانية.
ومع ازدياد حالات الحصبة بين الأطفال فى نيويورك قررت السلطات فرض غرامة مقدارها ١٠٠٠ دولار على كل ولى أمر لا يقوم بتطعيم أبنائه، وكذلك فعل وزير الصحة الألماني، بفرض غرامة مقدارها ٢٥٠٠ يورو على كل ولى أمر يصاب ابنه أو ابنته بالحصبة بسبب عدم التطعيم.
السبب الحقيقى فى تخوف الأهالى من تطعيم أبنائهم ضد الحصبة والحصبة الألمانية والحمى النكفية، يعود إلى بحث نشره طبيب إنجليزى اسمه اندرو واكفيلد فى مجلة الانست المرموقة سنة ١٩٩٨، يربط بين التطعيم وحدوث حالات من التوحد والتهابات الأمعاء، وبحث آخر فى سنة ٢٠٠٢، بوجود فيروس الحصبة فى أمعاء الأطفال المصابين بالتوحد والتهابات الأمعاء بعد التطعيم.
وبرغم أن هذه الأبحاث قد تم التأكد من عدم مصداقيتها، وأنها أجريت بدون إذن مسبق أو الحصول على الموافقات العلمية والأخلاقية، وأن الطبيب الذى نشرها تم حذف اسمه من سجل الأطباء فى إنجلترا، إلا أن التأثير السلبى لذلك قد استمر حتى اليوم.
الحكاية التى نشرتها الـCNN يوم ٦ مارس ٢٠١٩، عن تقرير لليونيسيف، يفيد بحدوث ازدياد وبائى فى حالات الحصبة فى ٢٠١٩، وأن هناك وفيات لأكثر من ١١٠ آلاف طفل حول العالم سنة ٢٠١٧، بزيادة ٢٢٪ على السنة التى سبقتها، وأن هناك أكثر من ٢٠ مليون طفل حول العالم لم يتم تطعيمهم ضد الحصبة، لأسباب أهمها وجود جماعات تناهض التطعيم بصفة عامة أوالتطعيم ضد الحصبة والحمى النكفية والحصبة الألمانية بصفة خاصة.