انطلق على تويتر هاشتاج باسم وسط البلد، وفجأة تصدر الهاشتاج الموقع، واشتبك بالكتابة عليه أكثر من ستة آلاف تغريدة.. كلها تحكي بالتشريح مجتمع وسط البلد وبالتحديد الوسط الفنى والثقافى، يمكن للمتابع أن يضحك من التغريدات الساخرة، ولكنه ضحك كالبكاء، صورة المثقف التى تحولت إلى كاريكاتير تدعو للحزن أكثر من دعوتها للتأمل، أعرف أن موقع التدوينات الصغيرة يرتاده صغار السن أبناء الديجيتال والكيبورد، ولكن لا يمكن اعتبار ذلك مبررا لتلك الموجة من السخرية الهجومية التى تضرب وبعمق فى صورة المثقف أو السياسى أو المبدع بشكل عام.
المستفيد من تشويه صورة من يستخدم عقله هم خصوم التفكير وأنصار تعطيل العقل وحتى أكون واضحًا فى كلامى أنا أدافع هنا عن المواهب الأصيلة أما الذين ادعوا الموهبة واصطادهم الهاشتاج بالتلاسن فهم كأي فئة من المجتمع، حيث يتجاور المدعى كتفا بكتف مع الموهوب الجاد، بل ويزاحمه وقد يطرده من مجاله؛ ليكون البقاء للأفسد. هذه طبيعة مجتمع وسلوك متجذر توارثناه، حتى قلنا فيهم المثل الأشهر العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من التداول.
ولأننى من سكان وسط البلد وعلى تماس بعض الشيء بدنيا السياسة والعمل العام أعرف جيدًا أن وسط البلد هى جغرافيا مهمة فأينما وليت وجهك سوف ترى التاريخ يمشى على نواصيها.. من وقفة عرابى فى عابدين إلى أيام المجد فى ميادين التحرير وطلعت حرب إلى شوارعها الملهمة.. وفى البلاد التى تعرف الاستثمار الثقافى نرى الحى اللاتينى القريب من جامعة السوربون فى باريس مزارًا ومقصدًا لا يقل عن برج إيفل.
أكرر السؤال مرة أخرى: من هو المستفيد من شيطنة رواد مزارات وسط البلد؟ هذا توجه وإن بدا ما يشبه النكتة، إلا أنه مع الوقت يرسخ للتفاهة، المتغيرات التى أصابت وسط البلد ومقاهيها التاريخية والتشوه الذى أصاب قطاعًا من روادها لا ينفى أبدًا أن الكبير نجيب محفوظ وجلسته على مقهى ريش، وإذا تحركنا بالأسماء إلى الأمام سوف نصل إلى رموز لامعة فى مختلف المجالات.
وعلى ذلك يمكن القول: إن رب ضارة نافعة.. الضارة هى تلك الجرسة لرواد وسط البلد.. النافعة هى أن تنتبه وزارة الثقافة ووزارة السياحة إلى تلك البقعة الساحرة؛ لتتحول إلى محمية أثرية تجذب ولا تطرد.. نعم هناك محاولات مثل مشروع عاش هنا الذى يوثق أماكن سكن المشاهير فى وسط البلد، ولكننى أشير إلى مخطط عام ودراسة فنية تعيد الحياة للبشر والحجر فى وسط البلد، وها هى الفرصة سانحة بمغادرة الوزارات إلى العاصمة الإدارية، لا تنقصنا الخبرة ولا التمويل، ينقصنا فقط الإرادة.