كما أنه شهر الخير والرحمة، فهو أيضًا، شهر البطولات والانتصارات، فقد ارتبط شهر «رمضان» الكريم، بالنصر والفتوحات فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية، منذ غزوة بدر الكبرى، إلى انتصار الجيش المصرى العظيم، على إسرائيل، فى العاشر من رمضان، الموافق السادس من أكتوبر ١٩٧٣، وبدء معركة تحرير سيناء الحبيبة وإرجاعها عزيزة أبية لحضن مصر.
بالطبع، لم نحز أنا وجيلى، شرف مشاهدة الحرب أو المشاركة فيها، أو حتى رؤية النصر فى وجوه الشعب المصرى، وفرحته بعد تحرير الأرض، فلقد ولدت بعد هذه الملحمة بعامين، لكنى لمستها فى أحاديث والدى وفخر أمى، وروايات أساتذتى، ومشاهداتى وحواراتى مع أبطال الملحمة من قادة وجنود القوات المسلحة، الذين شهدوا المعركة.
فى ذلك اليوم العظيم، تمكنت القوات المسلحة، من كتابة اسمها مجددا فى تاريخ المجد والشرف حيث عبر جنودها البواسل قناة السويس، وحطموا أكبر ساتر ترابى، كان يتخفى وراءه جنود العدو، ألا وهو خط بارليف، الذى كانت تفتخر به القيادة الإسرائيلية لمناعته وشدته.
لقد كانت الرغبة فى النصر، تسيطر على قلب ووجدان الجندى المصرى، فى هذه الملحمة الوطنية الكبرى، حتى تمكنت من نفسه، وأشعلت حماسته، وبعثت عزيمته، وحركت الشهامة والبطولة الكامنة فى أعماقه، فلم يقف أمامه شيء، وظل يصنع البطولات، ويتحدى المستحيلات، متسلحًا بإيمانه بربه، وحبه لوطنه، واعتزازه بنفسه.. ولقد أنهى «العاشر من رمضان»، أسطورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر، وكانت بداية الانكسار للعسكرية الإسرائيلية.
وكان للأشقاء العرب فى هذه المعركة مواقف مشرفة، فلم تقف الدول الشقيقة مكتوفة الأيدى تجاه ما يحدث، بل لعبوا دورًا عظيمًا فى حرب «العاشر من رمضان».. فلقد وصل من العراق سربان من طائرات «هوكر هنتر»، فى نهاية مارس ١٩٧٣، وبلغ مجموع الطائرات التى وصلت مصر ٢٠ طائرة.. وأوقفت السعودية ضخ البترول للدول الغربية، دعما لمصر، وهو الأمر الذى كان له شديد الأثر فى تحييد دول أوروبا خوفا على تدفق النفط.. وأرسلت الكويت قوة حربية إلى مصر، وبعثت ٥ طائرات «هوكر هنتر» على الرغم من امتلاكها ٨ طائرات فقط، وأرسلت السودان فرقة مشاة إلى سيناء.. وأرسلت الجزائر سرب طائرات سوخوي-٧، وسرب ميج-١٧، وسرب ميج-٢١، وصلت فى أيام ٩ و١٠ و١١ أكتوبر، وبعدها وصل إلى مصر لواء جزائرى مدرع فى ١٧ أكتوبر ١٩٧٣.. وشهدت شوارع البحرين اجتماعات ولقاءات شعبية للتبرع بالأموال والدم لمساندة الجيش المصرى، وأوقفت تصدير البترول لواشنطن، وإنهاء جميع الاتفاقيات الموقعة بينها وبين أمريكا، لمنح تسهيلات لبواخرها فى ميناء البحرين.
ومن المواقف المشرفة للاخوة العرب أيضًا إرسال المملكة المغربية، لواء مشاة إلى الجبهة السورية.. وأرسلت ليبيا لواء مدرع إلى مصر، وسربين من الطائرات، سرب يقوده مصريون والآخر ليبيون.. ومن المواقف العربية التى لا تنسى، موقف مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتى ظلت كلماته تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل، عندما قال «البترول العربى ليس أغلى من الدم العربي»، وقرر - رحمه الله - قطع النفط عن الدول التى تساند إسرائيل.