الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حواديت عيال كبرت 80.. أشهر "إفيه" قيل في عزاء

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى الحقيقة أنا أكتب هذه الحدوتة لنترحم معا على عم «عبده»، وكل عم عبده عاش فقيرا شريفا فى هذا الوطن.. جاء إلى الدنيا ومضى ولم يخلع رداء الطيبة ولم يجف لسانه عن التسبيح، ولم يلعن الظروف ولم يستسلم رغم ضراوة المعركة مع الحياة، جاهد قدر المستطاع ليعيش راضيا بالقليل الذى يدخل جوفه وجوف أولاده من حلال، كان عم عبده خياطا لا يملك من متاع الدنيا سوى «ماكينة خياطة» يذكر الله على وقع أنغامها، عمل عليها طيلة حياته لا ونيس له سوى إذاعة القرآن الكريم الذي حفظ عن ظهر قلب برامجها، كانت حياته ضيقة كسم الخياط لكنه لم يضجر، بل كان صابرا محتسبا لا يترك عمله إلا للصلاة فى وقتها أو للخلود إلا النوم بعد يوم شاق، وبرغم صبره لم تكف الدنيا عن ابتلائه فخطفت على حياة عينه ابنه الصغير، الذى كان كجوهرة تتلألأ فى ظلام حالك، وكانت ابتسامته كشفق صبح خرج يجابه الليل غير عابئ بسطوته السوداء، وراه فى الثرى وكأنه يوارى قلبه لكنه كعادتع صبر واحتسب وواصل الخطى يجر حزنه، تثاقلت خطاه ونال منه الحزن لكنه ظل على إصراره أن يأكل من كده وتعبه حتى ربى أولاده، الذين لم يخذلوه فانكفأوا على كتبهم محاولين أن يفلتوا من قبضة الفقر ورغم جهدهم إلا أنهم بالكاد ترجلوا فى الحياة قليلا عن الفقر بشهادات جامعية، ثم التحقوا بوظائف تستر لكنها لا تقفز بهم إلى ركب الأغنياء، لم يرثوا عن أبيهم شيئا سوى الطيبة التى وزعها عليهم بالتساوى وأعطى فيها للذكور مثل الإناث، وماذا سيفعل إرث الطيبة والعالم بات لا يتفوه إلا بالبغضاء! تلك الطيبة التى باتت عملة نادرة فى هذا الزمان، بعد رحلة شاقة أعلن عم عبده عن رحيله كانت روحه قد فاضت إلى بارئها دون عناء، كان ينتظر لحظة الراحة وكأنه كان يتوق شوقا إلى الصعود إلى السماء، وبرغم أن يوم وفاة الرجل الطيب كان حزينا ثقيل الوقع على الجميع، وكان الصمت يسود على الحاضرين فى المندرة إلا أن المأتم تحول إلى واقعة نادرة بات يُحكى عنها حتى الآن، إذ إن ابن عمه أتى ليقدم واجب العزاء.. وجلس بين الناس يستمع إلى القرآن وفى كل فاصل كان يصيح: «الدوام لله.. الحى أبقى من الميت وحدووه».. كانت العيون ترمقه فى غضب لكنه لم يكف عن صياحه، ثم كانت المفاجأة إذ قال لأبنائه: «الحزن فى القلب يا رجالة، الله يرحمه كان رجلا طيبا بس شرع ربنا واجب ولازم نوزع الميراث»، وهنا كان بين الجالسين رجل معروف فى القرية بخفة الظل وتلقائيا رد عليه: «ميراث إيه يا رجل هو كان حيلته إلا ماكينة الخياطة قوم خدها وارحمنا»، وهنا انفجر الحضور وتحول البكاء إلى ضحك، زاد حينما قام ابن عم عبده الكبير وأحضر بكرة خيط وإبرة وقال له: «خذ هذا نصيبك يا عماه.. فلتخيط بهما فاك وإلا سأنهال بكف يدى على قفاك».