بينما يشكو المزارع المصرى يومًا بعد الآخر من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من مبيدات وتقاوى ووقود وأجور عمالة، وبينما يعانى أيضًا من خلل فى التسويق وتدنى الأسعار لمحاصيله، يقف المتابع فى حيرة وغضب عندما يصادف فى المعارض والأسواق الكثير من السلع الزراعية المستوردة التى تجد رواجًا لدى المستهلك المصري.
ومثالًا لذلك ما شهدته فى معرض من معارض السلع الرمضانية عندما تزاحمت لافتات الدعاية للبضائع الموجودة بالمعرض ومن بينها عدس تركى وياميش إيرانى وزبيب سورى وأرز هندى وجوز هند فيتنامى وغير ذلك الكثير والكثير، صحيح نحن فى زمن الأسواق العالمية المفتوحة واتفاقية الجات وغيرها، ولكننى أسأل هل لدينا من البضائع المصرية ما يزاحم فى الأسواق العالمية كمزاحمة بضائع دول العالم لأسواقنا؟ أشك فى ذلك.
وهنا نسأل المستوردين والحكومة والجمارك نسألهم كلهم عن الكعكة السكانية المصرية التى اعتبروها مجرد سوق وليست ميدان إنتاج، نسألهم بأى ضمير تستمع إلى صرخات الصانع المصرى الصغير والمزارع المصرى الصغير وترد عليه بأننا فى سوق عالمية، الحقيقة هى أن ما نراه ليس سوقًا بالمعنى العادل للأسواق، ولكنه ميدان للقتل والنهب وتراكم الثروات بل والفساد المنظم.
فمستلزمات الإنتاج بمصر بالنسبة للمزارع على الأقل تحكمها سوق سوداء فى المبيدات والكيماوى تتقاسم مع الفلاح عرقه، وبينما الحال هكذا عندنا ففى ظنى أن الدول التى تقاسمنا أسواقنا تفرض أشكالًا متنوعة من الحماية لمواطنيها، سواء المزارع الصغير أو الصانع الصغير، وهو ما يجعل المنافسة غير عادلة، ويومًا بعد يوم يهجر المزارع المصرى أرضه ويترك الصانع ورشته ليلتحقوا جميعًا بطابور الفهلوة والاقتصاد السرى حتى يتمكنوا من الحياة بشكل طبيعى بعيدًا عن توترات السوق.
عندما تفرض الدولة حمايتها لأبنائها نرى الإبداع والطاقات المتفجرة ودليلنا على ذلك أننا رأينا فى هذا الموسم شكل الفانوس المصرى بعد وقف استيراده من الصين، رأينا العجب من إبداعات ومواهب واقتصاد ينمو فى ذلك البند الموسمي، فلماذا لا تفرض الدولة كلمتها على بقية البنود؟
طبعًا المشهد مستفز فى الأسواق التى تحولت إلى عبوات وشحن وبائع وعملة صعبة تهرب من البلاد، ويزيد الأمر استفزازًا عندما نرى تلك العبوات المشحونة آتية من دولة ليست صديقة مثل تركيا، ولذلك تجدر الإشارة إلى أنه إذا كان الاستيراد ضرورة فلدينا مجالنا الحيوى وهو أفريقيا ودول حوض النيل، تلك الدول الجارة والصديقة هى شرايين الجسد المصري، والتواصل التجارى معها ضرورة وربح، تلك الدول لا تريد من مصر معونات ولكنها تريد تنمية قدرات أبنائها بالعمل، ذلك التبادل التجارى ليس أموالًا وبضائع فقط ولكنه فى عمق الأمر ثقافة وسياحة وتواصل مطلوب.
لا أعرف فى رقبة من نستطيع تعليق الجرس، ولكننى أعرف أن غابة البيزنس المصرى مازالت مشوهة وتحتاج إلى انتفاضات إدارية وتشريعية حقيقية، فلا رهان على الضمائر ولكن مازال رهاننا على دولة القانون.