كتب فى مستهل كراسته: «سأكون دائمًا كما أراد أبى» هذا البلد رغم كل ما فيه لا يجف «فيه» عن التسبيح والحمد والتهليل.. وهذه الأرض رغم محاولات تجريفها ما زال الخير يطرح فى أرضها وما زالت خطاها عمارًا.. وهذا الشعب رغم عثرته ما زال يعطى بقلب ويتوكل على الله الحليم الحكيم الستار.. فيا أيها العالم الأعمى أحدثك من «مصر» صاحبة البصر والبصيرة.. أحدثك حديث شاعر لها حينما همس فى أذنها: «عايز أقولك سر.. ابنى الصغير بيحبك أوي» اعملى معروف.. أوعى تجيبى لحد سيرة..
لسه فى ناس بتكتب شعر وبترسم وتغني.. وفى قلوبهم أحلام كبيرة.. كل سنة وإحنا جوانا بقايا.. م الفرح قادرين نضحي.. كل سنة وإنتى غنوة عشق.. بتصحى فينا البنى آدمين.. اوعى يا مصر يهزمك الحزن » أحدثك من هنا من ملاذ الأنبياء من سكنى الأولياء، من لدن شعب عصىٍ أبىٍ يرفضُ الانحناء.. وحديثى اليوم لا عن قائد ولا عن عًالٍم، ولكن عن طفل صغير اقتطع طيلة العام من مصروفه بضعة جنيهات ليضعها فى حصالته، لا ليشترى ثياب العيد.. ولا ليستأجر «بيتش باجي» فى مصيف لن يراه، ولكن ليشترى عدة أكياس تملأها له والدته ب «تمر وعرقسوس » لذة للشاربين وإفطار للصائمين ورحمة للمتدبرين، يقف «علي» على الطريق قبل آذان المغرب فى رمضان يُوقف المارة ويعطيهم نفحة ورحمة على روح والده، الذى وافته المنية قبل عام.. حفظ ذهنه الصغير مشهد أبيه وعادته التى اعتادها
طيلة عمره فوقف يضع أقدامه الصغيرة موضع قدمى والده وكأنه شجرة للخير جديدة نبتت مكان شجرة اقتلعها الموت، ورغم ضيق الحال وتبدله تعلم «علي» معنى العطاء وإن كان به خصاصة. فى الساعة السادسة تنادى عليه أمه: «يالا يا على حضرت لك الأكياس.. خلى بالك من العربيات يا بني.. خد وزع على الصائمين رحمة ونور على أبيك» فى قرآن المغرب يقف «علي» آية من آيات الله فى أرضه يمد يده برضا: «اتفضل يا عمو كل سنة وإنت طيب» «علي» نجح هذا العام فى المدرسة وفى الوفاء
بعهده لأبيه، وحلمه أن يكون طبيبًا كما قال ليعالج المرضى، بعدما عاش رغم صغر سنه محنة مرض أبيه، الذى كانت وصيته له: «أنا عايزك دكتور يا علي.. عايزك يا بنى تحس بالناس وتقف جنب الكبير والتعبان وتمد إيدك بالخير للجميع.. أنا هعرف عنك كل حاجة.. وكل حاجة حلوة هتعملها هتوصلنى وهفرح بيها، هستناك هناك وعايز أفتخر بيك لما سيرتك توصلنى وأقولهم على ابنى نجح ونفذ اللى طلبته منه. رحل مدرس اللغة العربية ولم يترك للغلام فسحة من الوقت ليتمتع فيها بحضنه.. كان الدرس مؤلمًا لكن «علي » رغم صغر سنه أدركه واستوعبه وكتب فى مستهل كراسته سأكون دائما كما أراد أبي.