ساعة نزلت القاهرة، وشرعت فى إجراءاتى كطالبة موفدة للدراسة تطلب الأمر أن أقضى صباحاتى أتنقل من مكان إلى آخر لأجمع الأختام والتوقيعات وأصادق على مسوغات ينبغى تقديمها للحصول على معادلة المجلس الأعلى للجامعات، ومن ثم التوجه للحصول على قبول من جامعة وكلية التخصص، تطلب ذلك ما يقارب الثلاثة أشهر، فى هذه الفترة علمنى رفاق تزاملت معهم وبعضهم حضر قبلى إلى مصر أن أُقارب وسائل المواصلات المختلفة من المترو إلى الحافلات صغيرها وكبيرها، متنقلة من سكنى إلى ميادين قلب القاهرة وإلى أطرافها، وإن كنت أول نزولى لم أكف عن ركوب التاكسى الذى واجهت مع بعض سائقيها مشاكل عدة، وعلى ذلك استجبتُ لنُصح زملائى ورفيقات الصحافة من أهل البلد.
وليس لى أن أخفى إعجابى بحركة المواصلات العامة المتنوعة فى القاهرة ومنها إلى مدن أخرى بمصر قمت بزيارتها. وفى ظنى أنها تتوافر بدرجات جودة وأسعار مناسبة. وقياسا بدول عربية وغربية قمت بالتجوال فيها فإن لمواصلات القاهرة مُفارقاتها. وقد لفت انتباهى ما يبديه جيل جديد من تقديم عون وتقدير لكبار السن وذوى الاحتياجات، ولمن يحمل ما يثقل عليه لحظة صعوده، كما التعاون بين الركاب عند تحصيل التذكرة.
وجدت نفسى فى خضم هذه المُمارسات، فساعة أصعد وأجلس بمقعدي، يتولى وبعفوية معتادة أحد الركاب مهمة استلام وإيصال النقود (ثمن التذكرة) إلى المُحصل حينما يكون بنهاية الحافلة، وبدوره يرسل وصل الاستلام الذى قد يجرى تناقله من راكب إلى آخر، إلى أن يصل يدى مع نصيحة أن أحتفظ به فقد يصعد مراقب حكومى ليراجع إيفاء كل راكب بدفع ثمن تذكرته. وإذا ما تصادف وصعدت الحافلة الصغيرة فيتولى مهمة تحصيل الرسوم أحد الركاب، ويقوم بإجراء حساباته جامعا وطارحا ما يصله من نقود مستوفيا حق كل دافع لعُملة كبيرة حين لايتوافر لديه السعر المحدد، وليستلم صاحب الركوبة مطمئنا وواثقا الثمن كاملا لمن صعدوا ودفعوا حسب عددهم وهكذا.
وللمستقل الركوبات التى تجوب القاهرة طولا وعرضا، سينتبه إلى أنها لا تلتزم الوقوف بمحطات محددة كما هو متعارف عليه، بل إنها تقف ساعة يشير الصاعد، أو حين يطلب أى راكب مكانا يرغب النزول عنده لقضاء أشغاله بمؤسسات يحفظها عن ظهر قلب سائق الحافلة. وقد حكت لى زميلة صحفية أن الحافلة تقف بها عند مقر عملها، مما حذا بها لترك سيارتها واعتماد الحافلة صباح كل يوم، معللة أنها عملية وموفرة، ومخففة لتوتر نفسيتها كسائقة ساعة الذروة، كما أعلمتنى أن كثيرا من الموظفين يعتمدون على «المترو» بشكل أساسي، بل ويتركون سياراتهم عند مواقف ثم يعودون إليها ويستقلونها بمسافة قريبة من بيوتهم.
وفى الوقت الذى تُحقق وسائل المواصلات ضمان تنقل آمنا لكل ساع وعامل يركبها فى يومه، إلا أن الراجلين المُشاة تظلمهم خارطة الأرصفة فى الشوارع وحتى الأزقة، تارة بارتفاعها عن سطح أرضها ما يجعلها عصية على الأطفال وكبار السن، وتارة بحيازة السيارات لها، فلا يتمكن الراجل فى المُضى فى مسيرهِ إلا وهو يتقاطع معها صعودا وهبوطا، نُفارق ذلك فقط عند ممشى النيل الجميل وبهبوب نسماته العليلة متنفسا منعشا مع حرارة صيف القاهرة. بأمل ألا تحرم نوادٍ تنتصب بقوالبها عنده هذه المتعة السياحية.