الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حواديت عيال كبرت «77».. «خمستين وعشرة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت سأكتب حدوتة مختلفة تمامًا، رتبتها فى ذهنى منذ الصباح، لكن وأنا أبحث لأرى رقم الحدوتة وجدته «7»، فتذكرت عم رضا رحمة الله عليه و«الإفيه الشهير له الذي عاش أطول منه: خمستين وعشرة»، كان يوما مزدحمًا جدًا فى دار ريفية تسكنها أكثر من أسرة كل أسرة فى غرفة مخصصة لها، والعيال تلعب فى حوش الدار حول الجدة، زوجة الأخ الكبير كانت قد جمعت كل مابس أهل الدار صغار وكبار.
وشرعت فى «ُفُم الغسيل الأول » أمامها الطست ومن حولها «الحلل»، تغسل وتنشر ثم تجمع الملابس التى جفت، ظلت على هذا الحال حتى غروب الشمس، وكانت فى شهرها التاسع على مشارف الولادة،
صرخة مدوية منها كانت كفيلة بأن تخبر الجميع أن لحظة الوضع حانت، على الفور جاءت الداية، نساء البيت كن قد سبقنها فى الوضع لكن وضعن إناث وباتت الدار بأكملها تنتظر أن يأت لها ولد لكسر هذا الفأل الشوم، العم رضا كان زوج إحدى نساء الدار، وكان دائم الشجار لأن زوجته تضع إناث، فور علمه بأن المولود ولد، ألقى سيجارته على «الغسيل»، فسرحت النار فى الخفاء تأكل الجاف منه وتقفز
من فوق «المبلول»، حتى باتت على مرأى الجميع فصرخ النسوة «حريق»، وتجمع الجيران يحاصروا النيران، لكن العم رضا أخذ يصيح كالديك ويقول خمسيتين وعشرة يا ولاد.. كانوا فى جيب البنطلون..
تحويشة عمرى يا ولاد التربتاتييت.. مش هسيبكم أنا عايز فلوسي.. حد كان قالكم تجيبوا عيال.. أدى الفال أولها خراب وحريق.. لكن أنا ماليش دعوة »، تعاطف الجيران والأهل مع العم رضا وكادوا يصدقون أن الطفل المولود نذير شؤوم على الدار، إلا الأب الذى زحف رغم النيران بجانب زوجته وأخذ يلاعب طفله ويقول: «حمدا لله على السلامة يا حبيبى إنت شرفت فداك كل حاجة.. فداك الدنيا بحالها ولا يهمك يا سند ابوك وضهره،» فى تلك اللحظات كان الأهل والجيران قد تغلبوا على النيران وأخمدوها فلم تستطع
النيل من شئ بلهيبها سوى بعض الملابس التى كان معظمها يخُص العم رضا وزوجته وبناته، فزاد صراخه وعويله وتعاطف معه البعض «لا حول الله يا رب بقى النار تاكل شقا الرجل وتحويشة عمره، ده لو رهنوا الدر مش هيجيبوا الخمسيتين والعشرة،» صمت الجميع عدا العم رضا الذى كان يندب حظه ويطالب بأمواله وإلا سيشتكى للعمدة وسيجمع أهل القرية فى الدار، لكن الله الستار كان له رأى آخر وبينما النسوة كن يفرزن الملابس المتفحمة إذ ببنطال العم رضا قد آكلته النار كله إلا جيوبه كانت
جميعها سليمة تماما، قلن النسوة الحمد لله.. وهنا صمت العم رضا عن الصياح.. فبتفتيش الجيوب كانت بيضاء ناصعة لا فيها خمستين ولا عشرة، فخرج طفل صغير يضحك ويقلد العم رضا: «خمسيتين وعشرة» وصارت الجملة من حينها يُضرب بها المثل فى إساءة العشرة.