كنت أفكر فى ذكريات رمضان والعجلة «الكازوز» كان قد شغلنا صنعها بعد العود الحطب
الذى كنا نكسر أول عقلة فيه وندفعها أمامنا.. كان هذا هو الترفيه الوحيد لنا فكنا ننتظر بعد موسم قطع الذرة وتنشيف عيدانه لتتحول لحطب ثم نصنع العجل.. لبسنا فى هذا الحال سنوات حتى دخلت زجاجات «الحاجة الساقعة» القرية وانتشر «الكازوز »، فكان لنا براءة اختراع «العجلة الكازوز»، والتى أخذت أشكالًا عدة حسب الموديل فبدأنا السنة الأولى بجريدة نخل ومسمار وعجلة واحدة من «الكازوز»، وسبقنا زميلنا عادل المسيحى فى تطوير الفكرة إلى جريدتين وقطعة أمامية تمسكهما وعجلتين من الكازوز ثم ضبطا للزوايا كان يربط خيطا بالتوازى مع الجريدتين وصولا للمقود أو الدريكسيون. كان يسير متباهيا بها فى القرية أمام العيال كما لو كان يمتلك أغلى السيارات، وكان يضع تشكيلة مختلفة من الكازوز، قبل أن يضع لها «كلاكس» عبارة عن «زمارة » حينما كان يضربها نخرج مسرعين لنراه.. ثلاثين عاما مرت أخذت منا أشياء كثيرة لكن الذكرى بقيت فى أذهاننا، ولم أكن أتوقع ولم يأت فى خيالى أن أستعيد مشهد عادل فى لحظة ونحن نجوب القرى لنكتب حلقات «على باب الله»، حيث كانت جدة الطفلة «مها» التى تعانى الصمم قد اتصلت بنا طلبا للمساعدة لإنهاء إجراءات العملية. ذهبنا إلى قريتها نسأل عن بيتها وكانت المفاجأة التى لم أتوقعها وبينما نحن ننتظر السيدة، خرج طفلان وفى أيديهما عجلة تعود إلى عصر «موديل الحطب»، سريعا مر أمامى شريط الذكريات، وتساءلت أخرج الفقر من قريتنا وأتى إلى هنا؟ أما زال فى إحدى قرى مصر بعد النت وبعد كل هذه الألعاب «العجلة الكازوز» عجبا إنها ما زالت موجودة!، حقا نحن فى وطن التجاور، ولا عجب فنحن نرى الكارو تسير رأسا برأس بجانب أحدث السيارات، وفى أكثر منطقة حضرا فى القاهرة يناطح الحمار الكروز والبرُش وغيرها من الماركات، آلمنى منظر الطفلين بالرغم من ابتسامتهما أمام الكاميرا.. لمعت أعينهما مع
«الفلاش » فرأيت حزنا دفينا لا أعرف من زرعه فى قلوب هؤلاء الصغار ومن سقاه مرا حتى يطرح ويغيم على ملامحهما، بقدر ما أبهجتنى الذكرى وجعتنى الصورة الحاضرة، تمنيت أن آخذهما من أيديهما وأشترى لهما «دراجة » وأخبرهما أن العالم خارج حدود هذه القرية تغير، لكننى خٍفت أن أخُرج أحلامهما من قمقمها ثم أتركهما فيجابهان الحياة بقلبيهما الأخضر فينكسر، وبدلا من أكون سببا لسعادتهما أتحول
لمصدر تعاسة لهما، لم أتمكن من كبح جماع نفسى فأمسكت عيدان الحطب ألعب بها وأجتر الذكريات وأداعب الطفلين وأخبرهما أنه كان لى عجلة مثلهما فى السابق، تركتهما وما زال قلبى وعقلى معلقين هناك ونفسى تطلع أن يساعدنى أهل الخير ونشترى لهذين الطفلين بسكلتة وملابس جديدة، وليحدث ما يحدث بعد ذلك، أريد أن أرى ردة فعلهما حين أذهب بها إليهما، حتى ولو كان الفرح لساعة، فمن ذا سيساهم معى ومن سيأتى معى ليرى كيف يصنع الفرح ومن أين تأتى السعادة؟.