أقبل شهر رمضان، ومعه فرحة وبهجة تزين الشوارع والمنازل، وما أن يأتى الضيف العزيز، من كل عام حتى يفكر الناس فى إقامة العزومات والولائم للأهل والصحبة، سواء فى المنازل أو المضايف أو حتى فى الشوارع كموائد الرحمن، ويهرعون إلى الأسواق لشراء ما لذ وطاب قبل أن يبدأ الشهر الكريم، بتبذير شديد يتنافى مع الحكمة التى من أجلها شرع الصيام.
وهنا يتجدد الحديث دائمًا عن السلوكيات الخاطئة التى يقع فيها الكثير، خاصة بين أبناء الشعب المصرى -المضياف بطبعه- والتى من بينها الإسراف الشديد فى الطعام والشراب والزينة خلال الشهر المبارك، لترتفع فاتورة الغذاء والكهرباء التى تستخدم فى زينة الميادين والشوارع، والمياه التى ترش بالطرقات، ولا يدرك المصريون أنهم بذلك يضغطون على اقتصادهم وعملتهم الوطنية «الجنيه»، أمام سلة العملات الأجنبية الأخرى، وأهمها الدولار، التى يذهب المليارات منها فى استيراد سلع يمكن الاستغناء عنها أو تصنيعها محليًا من «الياميش وفوانيس رمضان وغيرها».
ويعد إهدار الغذاء، من أكثر السيناريوهات الضارة فى شهر رمضان، فمائدة الإفطار اليومية تحتوى على عشرات الأنواع والأصناف التى تهدر كل يوم، من أجل تحضير أطعمة جديدة، فى اليوم الثانى، رغم أن هذا الشهر يجب أن يكون فرصة للتوفير وليس للتبذير، طبقًا لقوله تعالي: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا» «الأعراف».. فهل يعقل أن واردات مصر من «الياميش» خلال رمضان ٢٠١٧، وصلت إلى نحو ٥٤.٣٥ مليون دولار تقريبا، وإجمالى فاتورة الواردات من المستلزمات الخاصة برمضان للسلع الغذائية، ١٥٠ مليون دولار، ووفقًا لعدد من الدراسات والإحصائيات، فإن حجم استهلاك الأسر المصرية من اللحوم يصل لنحو ٣٠ ألف طن من بلدى ومستورد، كما نستهلك نحو ٦٥ إلى ٧٠ ألف طن دجاج على مدى الشهر، واختلفت توقعاتها بحجم فاتورة الإنفاق فى رمضان هذا العام، لكنها اتفقت مع توقعات خبراء الاقتصاد، على أنها ستكون مرتفعة مقارنة بالأعوام السابقة، وزاد بعض الخبراء، بأن أوصل انفاق الأسر على الطعام الى ما يقارب الـ٢٥٠ مليار جنيه بما يمثل ٤٥٪ من إجمالى إنفاقها السنوى، كما يصل الحجم المتوقع من مبيعات الطعام خلال الشهر الكريم، إلى ٤٥ مليار جنيه، بواقع ١.٥ مليار يوميًا.
وكثيرًا ما طالب علماء الدين والطب والاجتماع، بالابتعاد عن الإسراف والتبذير فى الطعام، خاصة فى شهر رمضان، مؤكدين أنه دعوة للمحافظة على الوقت والمال واستخدامه فيما ينفع، والترشيد فى الاستهلاك، فالترشيد أصبح من الفضائل الغائبة خلال شهر رمضان المبارك، فى معظم البيوت المصرية، وعلى الإعلام توعية الناس بخطورة هذه السلوكيات الخاطئة على الفرد والمجتمع والاقتصاد والجنيه، حيث يرجع العامة سبب التبذير فى رمضان، إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه شهر الجود والخيرات والكرم والتلذذ بأصناف الطعام.