إن البحث العلمى هو قاطرة التقدم، وهو القوة القادرة على طى المسافات التى تفصل بيننا وبين الأمم التى سبقتنا فى مجالى التقدم والازدهار. ولم يعد ثمَّة شك فى أن العلم أصبح قوة هائلة ومؤثرة. وقد تقدمت بالعلم دول وشعوب وصلت إلى أعلى مستوى حضارى. وتقاعست دول أخرى عن الأخذ بأسباب العلم فتخلفت عن الركب، علينا أن نخطو خطوات حثيثة من أجل اللحاق بمن سبقنا، إن تقدم المجتمعات يتطلب بذل الجهد والفكر من جانب العلماء والمفكرين والباحثين، ويحدونا الأمل والثقة بالنفس لتعويض ما فاتنا، إدراكًا ويقينًا أنه لا بد لأى شعب يريد أن يحتل مكانًا بين الأمم أن يحترم أساليب البحث العلمى ويأخذ بها. إن العلم هو سلاحنا الحقيقى لمواجهة الجهل والتخلف والفقر.
لا بد من ربط التعليم باحتياجات المجتمع، ومن أجل أن يتحقق هذا الهدف النبيل ينبغى أن يعايش العلماء والمفكرون والباحثون، وكل الجامعات، وكافة مراكز البحث، مشكلات المجتمع وأن يكونوا قادرين على حلها. فالعالِم الحق هو الذى يتحلى بإنكار الذات، ويسعى لترجيح كفة العطاء للوطن، ويقدم جهده ووقته وفكره لخدمة المصلحة العليا للبلاد على رغباته وطموحاته الشخصية، فالعلم الذى لا يخدم سوى صاحبه فقط، هو علم عقيم لا فائدة من ورائه. هناك ثمة ضرورة لعودة العقول المهاجرة إلى حضن وطنهم الأم مصر، للعمل تحت ظلها ومن أجل رقيها وازدهارها؛ كما فعلها من قبل علماء الصين المهاجرون إلى أمريكا وأوروبا حين لبوا نداء الوطن وعادوا إلى الصين، وخدموا بلادهم وحققوا نهضة عظيمة.
إن الاستثمار فى مجال البحث العلمى هو الاستثمار الحقيقى والمضمون، وإن التخوف من الاستثمار فى هذا المجال ليس له ما يبرره، إن مردود العائد من البحث فى مجالات العلم والتكنولوجيا يحقق أرباحًا تفوق الوصف، وتجارب الدول التى سبقتنا هى خير برهان على ذلك، ومن ثمَّ ينبغى على الأفراد وشركات القطاع الخاص أن يستثمروا أموالهم فى مجال البحث العلمي. ومما يشجع على تقدم البحث العلمى سيادة روح التعاون بين الباحثين، لقد أضحى العمل العلمى فى أيامنا هذه عملًا مشتركًا وجماعيًا، فلا يستطيع فرد واحد اختراق حواجز المجهول وتطويع المعرفة بمفرده، وإنما كل فرد يعمل فى إطار فريق، فكل باحث يعمل مع غيره وكل إنجاز يستند إلى إنجاز سابق، وهكذا يتم ارتياد آفاق جديدة رحبة بفضل العمل العلمى الجماعي.
بقى أن نقول إن الأمم والشعوب إنما تنهض بالتخطيط العلمى للمستقبل، واستغلال الطاقات المتدفقة للشباب فى البناء والتنمية. إن شباب الباحثين يشكلون الثروة الفكرية لبلادنا، وهم القوة التى نُعـَوّل عليها لبناء مستقبل أفضل لمصر الجديدة. فالشباب هو الرافعة القوية لبناء الأمة، من هنا تأتى أهمية الشباب وتعليمه وتدريبه وتأهيله للعمل للنهوض بالوطن.