السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نصوص التكفير المتوحشة..هل هناك نواقض للإيمان؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
النواقض العشرة للإيمان لمحمد بن عبدالوهاب، هى مرتكزات راسخة فى عقيدة لكل جماعات التكفير الإسلاموية، وكل من جاء بعده، وقد كان شارحًا لما جاء به، عدد كبير ومنهم الشيخ محمد إبراهيم الذى قرر صراحة أن الكفر بالحاكمية ينقسم إلى كفر اعتقادى مخرج من الملة، وهو الكفر الأكبر، وإلى كفر عملى لا يُخرج من الملة، وهو الكفر الأصغر.
وكان هذا مستجدًا، أخذه كل التيار فيما بعد؛ حيث قُسِّمَتْ أنواع الكفر الاعتقادى بالحاكمية، المخرج من الملة، إلى: جحود الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله، وألا يجحد؛ لكنه يفضل حكم غير الله على حكمه، وألا يفضل، لكنه يُساويه به، وألا يفضله ولا يُساويه؛ لكنه يعتقد جواز التحاكم إليه.
خطورة صياغة «نواقض الإسلام العشرة» - فى أغلبها- أنها صياغة عامة مجملة، وبعضها يحتمل أفهامًا مختلفةً ومتباينةً، ما جعل الأبواب مفتوحة على مصراعيها لتأويلها بحسب قارئيها، فمن كان جانحًا نحو التكفير فإنه سيجد فى تلك النواقض ما يسند توجهه، ويغذى نزعته التكفيرية تلك، وعلى سبيل المثال النص الثالث، وهو (من لم يُكَفِّر الكافر فهو كافر) فهذا النص المجمل فتح المجال لجماعات الغلو للاستناد إليه فى تكفير من لم يكفروه هم، حتى ولو كان تكفيرهم بمكفر لا يراه مخالفوهم مكفرًا حقيقيًّا، وهذا ما فلعه داعش فيما بعد.
«النواقض العشرة» بمثابة متون عقدية مقررة عند كل التيارات الإسلاموية، خاصة الجهادوية منها، وهى بصياغتها المجملة والعامة، تحتمل تأويلات متعددة، وقد استندت إليها جماعات الغلو والتشدد فى تكفير مخالفيهم من أهل السنة، كما جرى فى سوريا والعراق مثلًا.
الجماعة المحتسبة، التى قادها جهيمان العتيبي، وهى التى اقتحمت الحرم، كما جماعة التكفير والهجرة، ثم جماعة (الشوقيون)، لم يتباينوا كثيرًا فى مسألة نواقض الإيمان، وتحدثوا عن الكفر بالطاغوت، أى بداءة الكفر به قبل الحكم بالإيمان، وفسروه وفق ما فسره محمد بن عبدالوهاب، فى الدرر السنيّة، أنه كل ما عُبد من دون الله.
الجماعة المحتسبة، التى ظهرت فى المملكة، كانت تقول بالنواقض، وكان ابن عبدالوهاب هو الملهم لجهيمان العتيبى وأتباعه، الذين استيقظ العالم صبيحة الحادى والعشرين من نوفمبر ١٩٧٩ على أصوات خطبتهم، وطلقات رشاشاتهم، فى المسجد الحرام، معلنين ظهور مهدى يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، وكان هذا نتيجة حتمية لأفكار كتبها العتيبى فى رسالة أطلق عليها (الإمارة والبيعة والطاعة).
أما التكفير والهجرة، التى أسسها شكرى مصطفى، فكانت متطرفة بشكل أكبر فى نواقض الإيمان؛ حيث كانت تكفّر بالمعصية.
أبو محمد المقدسي، المنظر المعروف للسلفية الجهادية، رغم أنه يكفر الحكام، فإنه استنكر الإفراط فى استخدام النواقض العشرة، وقال: إن إساءة استخدام الغلاة لهذه النواقض، وعدم ضبطها بشروط التكفير وموانعه لا يعنى إلغاءها أو نقدها، بل التحذير من أخطاء التكفير والتنبيه على التحقق من أسبابه، والنظر فى شروطه وموانعه، لافتًا إلى أنه فعل ذلك فى رسالته المسماة بـ«الرسالة الثلاثينية فى التحذير من أخطاء التكفير».
مؤخرًا تم القيام بعملية إحيائية لنواقض الإيمان، وتفصيلها بشكل تم فيه الإفراط فى استخدامها، وإضافة نواقض جديدة عليها، مثل «التوكل على الله»، وبعدها كان لا بد من سردية للمتون العقدية، فوضحت هنا الفروق بين كل التيار الإسلاموى على العموم، ما بين من يكفّر بالمعصية، أو بين من ينزل أحكام (الديار) على قاطنيها، ومن يعذر بالجهل والتأويل، ومن لا يعذر، ومن يحكم على أعوان الحاكم بالكفر والردة، ومن يحكم عليه بمفرده، ومن يكفر الطوائف كالشيعة على العموم، ومن يقبل توبة المرتد ومن لا يقبلها.
كل سردية فى المتن كانت توصل إلى ما بعدها، إلا أنها فى النهاية كلها تؤدى إلى نتيجة واحدة، وهى التكفير؛ حيث قسّمت هذه الجماعات الحكام إلى مسلم، وهو الذى يحكم بالشريعة، وحاكم ظالم فاسق، وآخر كافر كفر أصلي، ومستبدل، وهو حاكم مسلم طرأ عليه الكفر لاستبداله أحكام الشريعة بالقوانين الوضعية، ثم أوجبوا قتال من يعاونه، وهو رأى عقدى مبنى على كلام قديم لابن تيمية، ومن بعده المودودي، وسيد قطب.
فى الكتاب المثير للجدل «الجامع فى طلب العلم الشريف»، لأحد مؤسسى تنظيم الجهاد فى مصر، وهو سيد إمام الشريف، تم تكفير أعوان الحاكم، وهذا ما آمنت به داعش فيما بعد، وبعد ذلك كان لا بد من تحريم أى وسيلة لتغيير هذا الحاكم، وكانت الأدبيات التى تتحدث عن كفر الديمقراطية، مثل كتاب «الحركة الإسلامية والعمل الحزبي»، وهو كتاب يحرم سلوك الحركات التى تنتهج العمل الحزبي، ويحرم جعل الانتخابات وسيلة للوصول للحكم.
لقد اعتبروا أن المشاركة فى المجالس النيابية نوعٌ من الشرك؛ لأن حق التشريع لله وحده، وأن دخول هذه القنوات الشرعية فيه إهدار لمفاهيم إسلامية عظيمة «الحاكمية والموالاة والجهاد»، وفيه إضفاء صفة إسلامية على وضع غير شرعي.
عقب الربيع العربي، اختلفت فصائل الإسلامويين، وحدث التطور الاعتيادي، واعتقد داعش فى بيان سُمّيَ «بيان الهيئة الشرعية»، أن من يؤمن بالديمقراطية خارج عن الملة، وعرفّ التنظيم الديمقراطية تعريفًا على هواه، حيث قال: «ذلك من الثوابت عند أهل السنة والجماعة، أنّ الدعوة إلى إقامة حكومة «مدنية تعدّدية ديمقراطية»، عملٌ مخرجٌ من ملّة الإسلام، وإنْ صام دعاتها وصلّوا وحجّوا وزعموا أنّهم مسلمون؛ لأنّها تدعو لصرف التحاكم الذى هو حقّ محضٌ لله تعالى، إلى الطاغوت.
لم يكن داعش وحده الذى جعل الدعوة إلى حكومة «مدنية تعدّدية ديمقراطية» مناطًا شركيّا مخرجًا من الملّة، وأنّ الدعوة إليها كفر مخرج من ملّة الإسلام، فقد سارت جماعات كثيرة على الطريق ذاته، ورغم كل الاختلافات فإن الجميع كان ينهلون من معين فكرى واحد.