مشاركة المرأة فى القتال رغم ارتباطها بسوابق تاريخية، إلا أنها ما زالت تشكل جدلًا وفقًا للمتغيرات الثقافية والاجتماعية.. بل السياسية أيضًا، الصراع والاستقطاب الذى شهدته المنطقة العربية خلال العقدين الماضيين أوقدا روح التحريض داخل المرأة على عدم الاكتفاء بدور المتفرج، ليصبح حضورها جزءا من المشهد وليس فقط من باب الظهور «الفولوكلوري».. سواء كان التواجد فى الجانب المشرق أو- للأسف- المظلم من الصورة العامة.
المتغيرات العربية- بكل ظلالها إيجابا أو سلبا- أطاحت بثوابت القوالب الاجتماعية، ما استفز المرأة لمشاركة فاقت أحيانا عدد الرجال، سواء فى التعبير عن المطالب أو تصميم سياسة بلادها عبر الإقبال على ممارسة حقوقها فى الانتخابات والاستفتاءات.. بل انعكس تصاعد وتيرة الحماس فى الأعداد المتزايدة من النساء للانضمام إلى صفوف الجيش والشرطة فى مهام تطهير دولهن من التنظيمات الإرهابية.. صحيح هناك فجوة واسعة بين خطاب المساواة وواقع المرأة رغم محاولات تخطى النمط المتعارف عليه بأن دخولها بعض تلك المؤسسات يقتصر على المهام الإدارية والتمريض. أمام هذا الاندفاع بدأت عدة دول عربية جهودا حثيثة للإقرار بحق إدماج المرأة فى قوانين العمل بالقوات المسلحة والشرطة لاستيعاب أعداد الطلبات المقدمة منهن، والتى فاقت احتياجات القوات المسلحة.
المرأة أيضا لم تكن بمعزل عن أجواء الاستقطاب العقائدي.. فقد كشفت الاستطلاعات أن عدد النساء فى صفوف تنظيم داعش يتجاوز بكثير التقديرات المعلنة. بعيدًا عن الحالات التى تصنف كضحايا.. هناك مقاتلات فى التنظيم تركن دولهن نتيجة قناعة مطلقة بالأفكار المتطرفة وانضممن إلى كتائب، أشهرها «الخنساء» و«الحسبة»، حيث يفرضن بوحشية قوانين التنظيم الإرهابى على النساء، كما انخرطن فى معسكرات تدريب على المهام القتالية وتنفيذ العمليات الانتحارية اعتمادا على ميزة التسلل والمراوغة فى إجراءات التفتيش، بالإضافة إلى تجنيد العناصر النسائية للانضمام إلى التنظيم. المثير للدهشة هو التطرف والوحشية بين «الداعشيات» مقارنة برجال التنظيم، وتمسكهن بالدور «الجهادي»، سواء بعد عودتهن إلى دولهن أو انتقالهن إلى دول أخرى.. فقد خلقت سنوات الضلال والانغلاق داخل مجتمع ظلامى خرافات ارتبطت بالوضعية المميزة التى يحظين بها كمجاهدات أو زوجات لقيادات التنظيم!.
الجانب المشرق للمد الجارف فى الانتماء الوطنى الذى دفع المرأة إلى عبور التقاليد الموروثة والتحفظات حول عملها يبقى منقوصًا فى انتظار المزيد من المبادرات الجريئة لاستكمال دمجها فى أدوار تنقلها من هامش الحياة العسكرية إلى صلبها.. فى المقابل.. الجزئية المظلمة للصورة فى تصاعد الدفع بالعناصر النسائية لتنظيم داعش كعنصر منفذ للعمليات الإرهابية يظل التحدى الأكبر أمام المنظومة الأمنية الأوروبية، خصوصا بعد الإشارات التى حملها مؤخرًا ظهور تسجيل لأبو بكر البغدادى حول انتقال العمليات الإرهابية إلى هذه الدول.