الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

التوابل.. حكايات وأساطير

التوابل
التوابل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«حبوب الفلفل، القادرة على جعلك تتعرق أسرارك. حبوب الفلفل، أين أنتِ وأنا بأمس الحاجة إليك؟».. هكذا قالت «تيلو» بطلة رواية «عاشقة التوابل» للكاتبة الهندية شيترا بانيرجى ديفاكارونى التى قدمت ببراعة فائقة عالم التوابل الأسطوري، ووضحت أن للتوابل لغة وأسرارا يستطيع الإنسان أن يملك زمامها بخوضه غمار طقوس قديمة والتى لا تمارس إلا حول ما يُعرف فى الثقافة الهندية بـ«نيران الشمباتي» ثم يأخذ عاشق التوابل عهدا على نفسه بأن يكون مخلصا لها وحافظا لأسرارها.


تحكى «شيترا» على لسان بطلة روايتها ما تستطيع أن تقدمه أنواع التوابل المختلفة للتعساء والمجروحين وأصحاب الأوجاع والذين فى حاجة إلى العون لمجابهة أعدائهم أو من يكرهونهم ويدبرون لهم المكائد والشرور كما أنها وسيلة ناجعة لجلب الحظ.
تقول الرواية إن لكل إنسان تابلا خاصا به، أى إذا كان تابلا ما نافعا لشخص معين فليس بالضرورة أن يكون نفس التابل نافعا لشخص آخر. تقدم «شيترا» من مساحيق التوابل على لسان بطلتها «تيلو» وصفات دوائية وأخرى جالبة للحظ وثالثة للحب والسعادة فنجد مثلا الفلفل الحار الذى يُعين من يتناوله على مواجهة خصومه حيث يمنحه القوة والهيبة، والكركم الذى يمنح السعادة بوضعه على رؤوس الأطفال الصغار حديثى الولادة وعلى فساتين الزفاف كما أنه يمنع الأحزان من إرهاق القلوب.

«عاشقة التوابل» رواية بالغة الجمال ليس لأنها تقدم العالم الغامض الذى لا نعرفه عن التوابل ولكنها تقدم أيضا قصة الحب التى نشأت بين «تيلو» التى قررت أن تفتتح لها متجرا لبيع التوابل فى أمريكا وبين شاب أمريكى اضطرت من أجل الحفاظ على حبها له أن تتخلى عن عالمها السحرى وعهدها الذى قطعته على نفسها بالحفاظ على أسرار التوابل.

من أجل هذا الحب تتخلى العاشقة «تيلو» عن التوابل ولهذا فعليها أن تواجه لعنة «نار الشمباتي» التى ستحرقها عقابا لها على نقضها للعهد مع معشوقاتها التوابل.

رواية الكاتبة الهندية شيترا بانيرجى ديفاكارونى ليست الوحيدة التى تناولت عالم التوابل وأسرارها هناك أيضا كتاب «التوابل.. التاريخ الكوني» لفريد كزارا.

قدم «كزارا» فى كتابه الشيق طرق التجارة القديمة وقوافل التوابل والأساطير التى صاغتها الشعوب بمختلف ألوانها وأعراقها حول أنواع التوابل وقدراتها السحرية التى جعلتها سببا فى اشتعال الحروب والصراعات حول العالم للسيطرة على هذه السلعة الساحرة والتى ارتبطت فى أذهان الأمم بالفردوس المفقود.

تعود أصول الفلفل الأسود إلى ساحل مالابار فى جنوب غرب الهند، حيث عرف منذ آلاف السنين عبر العالم ليجد طريقه إلى مختلف المواضع فى مسار قوافل التجارة والشبكة البحرية المؤلفة من السفن الصغيرة التى زارت الموانئ الواقعة شرق المحيط الهندي.

ينمو هذا التابل أيضا فى إندونسيا والبرازيل وفيتنام وماليزيا ولا يزال الفلفل الهندى المستخرج من ساحل مالابار أفضل فلفل أسود فى العالم لرائحته التى تشبه رائحة الفواكه ولذوعة طعمه، فى حين يحتوى فلفل لامبونغ الإندونيسى زيتا أقل مما يجعل من طعمه أكثر لذعا وأقل شبها بالفاكهة. يعد فلفل مونتوك الذى يأتى من إندونسيا أفضل أنواع الفلفل الأبيض.
وبعيدا نحو الشرق فى الصين، تشير (سجلات هان) التى تعود إلى القرن الثانى الميلادى إلى المعرفة بوجود نبتة اسمها (الفلفل الأسود) والتى كان يعتقد أنها تأتى من غربى الصين. لكن من المرجح أن الفلفل أتى من الاتجاه المعاكس، أى شرق الهند.
ويقول بعض المؤرخين إن الفلفل الأسود زرع أول مرة فى جافا من قبل المستعمرين الهندوس، الذين نقلوه إلى هناك زهاء عام ١٠٠ قبل الميلاد. قد تكون جافا هى المصدر الرئيسى للفلفل الصينى بما أن الدخول إليها عبر البحر كان أسهل من الهند الغربية.
كان الفلفل الأسود عنصرا مهما فى طعام الصينيين الذين استخدموا النوع الطويل منه ذا الطعم اللاذع أكثر فى أطباقهم.
كما استخدموه فى الطب كمحفز ودواء مقوّ للهضم ومساعد لتخفيف آلام المغص والنفخة.

الفلفل الحار

يعود أصل الفلفل الحار إلى الأمريكتين الوسطى والجنوبية وجزر الكاريبي. وهناك أنواع كثيرة للغاية من هذا الفلفل، تأتى بأشكال وألوان لا تحصى. يقطف الفلفل الأخضر الحار بعد ثلاثة أشهر من زراعته. أما الفلفل الذى سيؤكل ناضجا فيترك وقتا أطول على نباته. يجفف الفلفل عادة فى الشمس، ولكن يمكن أيضا تجفيفه اصطناعيا.
كان هذا التابل وغيره ينظر إليه الأوروبيون باهتمام بالغ، فقد نظروا إليه أيضا من خلال السياق الديني. ولم تأت هذه السلع ذات الرائحة الطيبة من مناطق بعيدة كالهند ومولوكاس فحسب، وإنما أتت من عالم الأساطير والخرافات.
فى كتابه (مذاق الجنة) كتب «ولفغانغ شيفلبوخ»: تصور الأوروبيون أن الفلفل كان ينمو فى غابات الخيزران فى سهل قرب الجنة. وكان يتم نقل الزنجبيل والقرفة من جانب صيادى السمك المصريين بإلقاء شباكهم فى مياه الطوفان من النيل، وبذلك يحضرون التوابل التى أتت من الجنة مباشرة. وكان الاعتقاد سائدا بأن رائحة التوابل هى نَفَس ينتقل بسلاسة إلى عالم الإنسان.
ولم يستطع أى كاتب من العصور الوسطى أن يتصور الجنة بدون طعم التوابل ورائحتها. سواء أكانت هذه الحدائق الموصوفة بالشعر خدمت العشاق أو القدسيين. فإن الجو عبق بالتأكيد برائحة القرفة وجوزة الطيب والزنجبيل وكبش القرنفل المسكرة والنادرة. وبناء على هذه التخيلات كان يمكن للعشاق أن يتبادلوا بهارات معينة كعهد لعلاقتهم.
كما كان الفلفل يستخدم فى القرن الحادى عشر، لدفع رسم دخول السفن فى لندن. وكانت حبات الفلفل مقبولة كوسيلة لدفع الإيجار والرسوم فى بعض البلدان الأوروبية. وكان يمكن لمزارعى إنجلترا دفع إيجارهم بباوند واحد من الفلفل، ومن هنا ظهر مصطلح «إيجار حبات الفلفل» وعندما حاز الأمير تشارلز على لقبه كدوق كورنويل فى عام ١٩٧٣، كان باوند من الفلفل جزءا من التقدمة التى حصل عليها.

ما التوابل؟
يقول «كزارا» فى مقدمة كتابه إن التابل هو الجزء العطر من نبتة استوائية، سواء أكان فى جذرها أم زهرتها أم بذرتها. ويوضح الكاتب أن جميع التوابل ذات منشأ آسيوى باستثناء الفانيلا والفلفل الحار والفلفل الحلو. كما أن هناك توابل لا تستخدم إلا من أجل رائحتها فقط مثل اللبان والمُر.
ومع اختلاف أنواع التوابل وتعددها لا يمكن النظر إليها على أنها شيء واحد فالعشبة نبات لا يمتلك جذعا خشبيا، ويموت فى نهاية كل موسم زراعي. وتستمد معظم الأعشاب فوائدها الطبية واستخداماتها كمنكهات من أوراقها.
التوابل الخمسة الرئيسية
تعد القرفة، والقرنفل، والفلفل الأسود وجوزة الطيب، والفلفل الحار التوابل الرئيسية التى لعبت تجارتها واستخداماتها دورا كبيرا فى انتقال التوابل من بلد لآخر وكان لهذه التوابل الخمسة دورا كبيرا فى تاريخ العالم، كما شكلت المعيار الأساسى لتجارة التوابل، فضلا على أنها حققت للتجار والبحارة الذين كانوا يعتمدون عليها فى حياتهم ثروات ذهبية طائلة.
لقد شكلت هذه التوابل الخمسة أيضا المحفز لنشوء الأساطير وعمليات البحث العالمية والمنافسات التى كانت وراء هذه التجارة.


طريق القرفة
كان للعالم القديم أسطورته الخاصة المتعلقة بـطريق القرفة» الذى بدأ فى شمال الهند الصينية وجنوب الصين مرورا بجزر الفيلبين، ومن ثم امتد هذا الطريق إلى جزر الهند الشرقية ليجمع المزيد من القرفة والتوابل الأخرى، ليستمر نحو الغرب عبر الامتداد الواسع للمحيط الهندى الجنوبي. وبالاتجاه إلى الشمال الغربي، عثر فى هذا المسار على أرض تبعد قليلا عن الساحل الشمالى الغربى لمدغشقر فى منطقة تعرف فى الأدب الرومانى الإغريقى باسم (راتبا)، وهى اليوم تقع قرب الحدود بين تنزانيا وموزمبيق. وهكذا كانت القرفة تؤخذ إلى الساحل وتسلم فى موانئ البحر الأحمر.
ويقول الكاتب إن هناك مزاعم أخرى حول تاريخ القرفة فى مصر تقول هذه المزاعم إنها تعود إلى زهاء ٥٠٠ سنة قبل الميلاد. منها ما قاله أحد علماء الآثار عن أنه استطاع شم رائحة القرفة عند العمل على مومياء مصرية قديمة ولكن وكما يقول «كزارا» يصعب إيجاد دليل حقيقى على وجود آثار قديمة للقرفة فى مصر.

جوزة الطيب
تعود جذور جوزة الطيب إلى جزر باندا الإندونيسية، وتنمو فى سيرلانكا وسومطرة وجزر الهند الغربية، حيث أنتجت جزيرة غرناطة فى وقت من الأوقات ثلث محصول العالم.
وفى كتابها عن الشفاء قالت هيلدغراد عن جوزة الطيب إن من يتلق حبة منها فى يوم رأس السنة ويحملها فى جيبه مدة سنة قد يقع دون أن تكسر فيه أى عظمة. وبالإضافة لهذا فلن يعانى هذا الشخص من الجلطات أو النزيف الداخلى أو الحمى القرمزية أو البثور.
أحضر التجار العرب جوزة الطيب وقشرتها إلى القسطنطينية فى القرن السادس. وبحلول القرن الثانى عشر أشير إلى أهمية جوزة الطيب فى الدول الأوروبية وصولا إلى أبعد الدول الاسكندنافية. واستخدمت جوزة الطيب كبخور كذلك.
وعندما توج هنرى السادس إمبراطور روما عام ١١٩١، تم حرق جوزة الطيب فى الشوارع مع بهارات أخرى مدة قبل تتويجه. وبحسب ما أورده «تشوسر» فقد أحب الناس وضع جوزة الطيب فى الجعة. وفى أيامنا هذه يستخدم البافاريون جوزة الطيب فى جعة الجذور.
وكانت جوزة الطيب أداة للترويج للتميز الجنسى فى بدايات القرن السادس عشر وقد قام الفيزيائى الهولندى «ليفينوس لينيوس» مؤلف كتاب (قوى الطبيعة الخفية) بتمجيد سلطة الرجل على المرأة بزعمه أن جوزة الطيب التى يحملها الرجل ستكبر لتصبح أجمل وأكثر عصارة ولها رائحة أقوى، فى حين أن جوزة الطيب التى تحملها المرأة ستتجعد وتصبح جافة وغامقة وقبيحة.

أصل
القرنفل
يرجع «كرازا» أصل الفرنفل إلى مجموعة جزر مولوكاس (جزر الملوك) البركانية، التى تشكل حاليا جزءًا من إندونسيا. وشجرة القرنفل طويلة، إلى درجة أن جمع براعم زهور القرنفل يحتاج إلى سلالم. وتجمع البراعم عندما تكون قواعدها وردية اللون، وقبل أن تتفتح. ويتم تجفيفها على حصائر فى منطقة مشمسة ومفتوحة، حيث تفقد الكثير من وزنها وتتحول إلى لون يتراوح بين الأحمر والبنى الداكن، وعندها يتم تصنيفها.
تمتاز رائحة القرنفل بلمحات من رائحة الكافور والفلفل، أما طعمه فله نكهة الفاكهة لكنها فى الوقت نفسه مُرة وحارة. وتجعل الفم يشعر بالخدر.
تغنى الأدب السنيكريتى فى الهند بكبش القرنفل إذ أطلق عليه اسم (كاتوكابهالا) الذى يعنى «ذا الرائحة القوية»، وكتب بلينى الأكبر بأنه كان يتم استيراده من أجل رائحته. وفى عام ٣٣٥ مياديا أرسل قسطنطين الأكبر ١٥ كيلو جراما من كبش القرنفل المحفوظة بعناية فى أوعية إلى البابا سلفيستر. ومع مرور الوقت بدأ استخدام القرنفل فى الطعام والشراب، ففى القرن التاسع وضع الرهبان فى دير غالين فى سويسرا هذا البهار الثمين على السمك الذى يتناولونه فى أثناء الصيام، وعند نهاية القرن العاشر رأى أحد الرحالة العرب مواطنى مدينة ماينز وهم يقومون بإضافة كبش القرنفل إلى وجباتهم.
وعن القرنفل فى الأساطير فقد جاء ذكرها فى كتاب «موجز الأعاجيب» لإبراهيم بن وصيف شاه والذى كتبه فى حوالى عام ١٠٠٠ ميلادى حيث يقول: فى مكان ما قرب الهند، تقع جزيرة تحتوى على وادى كبش القرنفل. لم تطأ قدم تاجر أو بحار هذا الوادي، أو تمكن من رؤية نوع الشجرة التى تنتج القرنفل، فكما يروى فإن الجان هم من يبيعون فاكهتها. ويصل البحارة إلى الجزيرة ويضعون أغراضهم وبضائعهم على الشاطئ ويعودون إلى سفنهم وفى الصباح التالي، يستيقظون ليجدوا كمية من كبش القرنفل بجانب كل غرض. ويقال أيضا إن مذاق كبش القرنفل لذيذ عندما يكون طازجا، وإن سكان الجزيرة يأكلون منه أيضا، وبهذا لا يصبيهم المرض ولا يشيخون.
كما أتى ذكر القرنفل فى كتاب «النباتات الطبية» للقديسة هيلدغارد وذلك فى عام ١١٥٠ ميلاديا.
وقد زعمت كتب الأعشاب التقليدية أن الرجل الذى فقد فحولته يستطيع استرجاعها بشرب الحليب الحلو مع ثلاثة جرامات من كبش القرنفل المطحون.
وفى الفلكلور المالوكى تعامل القرويون مع أشجار كبش القرنفل المزهرة وكأنها امرأة حامل. فلا يسمح لأى رجل بالاقتراب منها مرتديا القبعة. ولم يكن يسمح بإحداث أى صوت أو ضجة بالقرب منها ولا يسمح بمرور أى ضوء أو نار قربها فى الليل خوفا ألا تحمل الثمار. وما زال بعض المالوكين يزرعون شجرة كبش القرنفل عند ولادة أى طفل، معتقدين أنه إن ازدهرت الشجرة فإن حياة الطفل ستزدهر أيضا.
وكان يعتقد أن شجرة كبش القرنفل حارة جدا، بحيث لا يمكن نمو أى شيء تحتها، حتى إنه إذا ترك وعاء من الماء قرب الشجرة فستتبخر المياه فى أقل من يومين.
وفى العصور الحديثة يضع سكان الهند الشرقية كبش القرنفل فى فتحتى الأنف أو بين الشفاه لمنع الأرواح الشريرة من الدخول إلى أجسامهم.
من أين أتى اسم القرفة؟ يقول الكتاب إن اسم القرفة مشتق أصلا من الكلمة اليونانية التى تعنى التابل، وقد حصل اليونانيون بدورهم على الكلمة من الفينيقيين الذين كانوا على الأغلب يعملون فى التجارة البحرية عبر طرق القوافل الشرقية التى خضعت لسيطرة العرب. وقد ورد ذكر القرفة والقرفة الصينية (السنا) فى العهد القديم، وفى النصوص السنسكريتية، وكذلك فى أعمال طبية يونانية.
تعد سريلانكا أو ما كانت تعرف بجزيرة سيلان الموطن الأصلى لتابل القرفة حيث يزرع فى السهول الساحلية إلى الجنوب من العاصمة كولومبو.
والقرفة تنتمى لعائلة الغاريات وتستخرج من لحاء شجرة دائمة الخضرة، ويتم لف شرائح سمراء وبنية شاحبة من اللحاء المجفف داخل بعضها، لتشكل لفائف أو عصى القرفة والتى كلما كان لونها أفتح كانت جودتها أعلى.
تختلف القرفة العادية عن الصينية (السنا) باحتوائها على زيت يدعى «يوجينول». إلا أن القرفة تخسر نكهتها سريعا لذا من الضرورى حفظ اللفائف فى أوعية محكمة الإغلاق للحفاظ على نكهتها سنوات طويلة.
وكتب المؤرخ اليونانى هيرودوس مؤكدا أن الفينيقيين زعموا أن الطيور هى من أتت بالقرفة إلى الجزيرة العربية، لأنها كانت تحملها إلى أعشاشها على حواف الجبال. ولكى يحصلوا على القرفة، اعتاد العرب تقطيع جثث حيوانات كبيرة ووضعها على الأرض قرب العش. وبهذا عندما يقوم الطائر بحمل الطعام ويعود إلى عشه، فإن وزن اللحم سيسبب انكسار العش ومن ثم تسقط القرفة إلى أسفل الجبل فيسارع العرب لالتقاطها. ثم صُدر هذا النوع من البهار إلى دول أخرى.
يورد الكاتب حكاية أخرى وهى أن الطيور استعملت القرفة مادة لبناء أعشاشها على الأشجار. وأن السكان الأصليين كانوا يطلقون السهام ذات الرؤوس الرصاصية لتحطيم العش وجعل القرفة تسقط إلى الأرض.
إن القرفة ومنذ أن عرفها الهنود حافظت على وجودها إلى القرن التاسع عشر حيث كانت من أكثر التوابل المرغوبة فى العالم القديم، فقد عرفت فى الصين باسم «كوي» منذ ٢٧٠٠ عام وعرفتها مصر فى عام ١٥٠٠ وقد سيطرت الصين على تجارة القرفة عبر جنوب شرق آسيا رغم أنها لم تكن تنمو هناك فى ذلك القرن، ومن ثم ظهرت جزيرة سيرلانكا كمصدر أساسى بعد عدة قرون عندما أصبحت القرفة متداولة فى مناطق أكثر فى العالم.

أتت القرفة فى أعمال بعض الشعراء والفلاسفة ومؤسسى علم النبات حيث عبر عنها الشاعر الأيرلندى توماس مور قائلا فى إحدى قصائده:
هذه الطيور الذهبية التى تهبط فى وقت التوابل
فى الحديقة ثملة بهذا الطعام العذب
الذى جذبهم عطره فوق فيضان الصيف
وتلك الطيور تحت أشعة الشمس العربية الرقيقة
تبنى أعشاشها المبطنة بالقرفة.
قصة أخرى رواها «ثيوفارستوس» وهو أحد تلامذة أرسطو والذى لقب بـ«أبى علم النبات» قصة عن القرفة، حيث زعم «ثيوفارستوس» أن منشأ هذا البهار يعود إلى الجزيرة العربية، حيث كان ينمو على شجيرات فى أماكن تحرسها أفاع سامة. ولهذا كان على كل من يحصل على القرفة أن يقسمها إلى ثلاثة أكوام، ومن ثم يختار اثنين بسحب القرعة ويقدم الباقى كتقدمة لإله الشمس كى يحميهم من الأفاعى فى المرات القادمة. وزعم أحد الصقليين أنه كان هناك الكثير من القرفة فى شبه الجزيرة العربية، حتى إنها استخدمت وقودا للطبخ.
كزارا: سافر واستمع واقرأ لتعرف أكثر عن التوابل
ينصح «فريد كزارا» القراء فى نهاية كتابه الممتع بألا ينجرفوا وراء الإنترنت ويهمل استخدام المادة التقليدية المطبوعة والسينما والفنون البصرية والسمعية الأخرى كالموسيقى الشعبية مثل ألبوم: (spice of Zanaibar) أو (توابل زانجبار)، وأفلام مثل: (Mirch Masala) أو (فلفل مسالا) الذى ظهر فى عام ١٩٨٥ ويتحدث عن عمال مصانع التوابل فى الهند، وفيلم (A Touch of spice) أو (لمسة التوابل) الذى ظهر فى عام ٢٠٠٣ ويتحدث عن شاب يونانى وجده الذى يملك محل توابل فى إسطنبول، وفيلم ( The Mistress of spices) أو (عاشقة التوابل) وهو من إنتاج عام ٢٠٠٥.
كما نصح «كزارا» قراءة بقراءة رواية سلمان رشدى (The Moor،s Last Sigh) التى تروى حكاية عائلات العاملين فى التوابل، التى تعيش على ساحل مالابار فى الهند منذ أكثر من ١٠٠ عام.
ورواية ((Dune لفرانك هيربيرت والتى تتحدث عن دور التوابل فى عالم الخيال العلمي.
الشعر أيضا يشكل مجالا واسعا للاكتشاف، فمثلا تدعو قصائد «جون دارناي» ( Astraea Redux)، ( Amboyna)، (Annus Mirabilis) إلى التجارة والتوابل.
ومن الحقبة الرومانسية اختار «كزارا» رواية (Little Derwent،s Breakfast) للكاتبة إيميلى تريفين، وكذلك كتاب تيموثى مورتون ( The Poetics of Spice) أو (شعراء التوابل). وأخيرا، هناك السفر الذى يستطيع من خلاله المرء أن يجرب التوابل فى نواح مختلفة، والقيام بنفس الرحلات التى كان يقوم بها تجار التوابل الأوائل.

من أقوال
عمر بن عبد العزيز
الصدور خزائن الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، كل امرئ مفتاح سره.
التوابل
استراحة

حكايات وأساطير
«حبوب الفلفل، القادرة على جعلك تتعرق أسرارك. حبوب الفلفل، أين أنتِ وأنا بأمس الحاجة إليك؟»
هكذا قالت «تيلو» بطلة رواية «عاشقة التوابل» للكاتبة الهندية شيترا بانيرجى ديفاكارونى التى قدمت ببراعة فائقة عالم التوابل الأسطوري، ووضحت أن للتوابل لغة وأسرارا يستطيع الإنسان أن يملك زمامها بخوضه غمار طقوس قديمة والتى لا تمارس إلا حول ما يُعرف فى الثقافة الهندية بـ«نيران الشمباتي» ثم يأخذ عاشق التوابل عهدا على نفسه بأن يكون مخلصا لها وحافظا لأسرارها.

بقلم:
سامح قاسم
الفينيقيون زعموا أن الطيور هى من أتت بالقرفة إلى الجزيرة العربية.. وعالم آثار يعثر على مومياء مصرية تنبعث منها رائحتها.. أصحاب الحضارات القديمة اعتقدوا أن رائحة التوابل هى نَفَس ينتقل بسلاسة إلى عالم الإنسان.. وكتاب العصور الوسطى لم يصوروا الفردوس بدون البهارات
تحكى «شيترا» على لسان بطلة روايتها ما تستطيع أن تقدمه أنواع التوابل المختلفة للتعساء والمجروحين وأصحاب الأوجاع والذين فى حاجة إلى العون لمجابهة أعدائهم أو من يكرهونهم ويدبرون لهم المكائد والشرور كما أنها وسيلة ناجعة لجلب الحظ.
تقول الرواية إن لكل إنسان تابلا خاصا به، أى إذا كان تابلا ما نافعا لشخص معين فليس بالضرورة أن يكون نفس التابل نافعا لشخص آخر.
تقدم «شيترا» من مساحيق التوابل على لسان بطلتها «تيلو» وصفات دوائية وأخرى جالبة للحظ وثالثة للحب والسعادة فنجد مثلا الفلفل الحار الذى يُعين من يتناوله على مواجهة خصومه حيث يمنحه القوة والهيبة، والكركم الذى يمنح السعادة بوضعه على رؤوس الأطفال الصغار حديثى الولادة وعلى فساتين الزفاف كما أنه يمنع الأحزان من إرهاق القلوب.
«عاشقة التوابل» رواية بالغة الجمال ليس لأنها تقدم العالم الغامض الذى لا نعرفه عن التوابل ولكنها تقدم أيضا قصة الحب التى نشأت بين «تيلو» التى قررت أن تفتتح لها متجرا لبيع التوابل فى أمريكا وبين شاب أمريكى اضطرت من أجل الحفاظ على حبها له أن تتخلى عن عالمها السحرى وعهدها الذى قطعته على نفسها بالحفاظ على أسرار التوابل.
من أجل هذا الحب تتخلى العاشقة «تيلو» عن التوابل ولهذا فعليها أن تواجه لعنة «نار الشمباتي» التى ستحرقها عقابا لها على نقضها للعهد مع معشوقاتها التوابل.
رواية الكاتبة الهندية شيترا بانيرجى ديفاكارونى ليست الوحيدة التى تناولت عالم التوابل وأسرارها هناك أيضا كتاب «التوابل.. التاريخ الكوني» لفريد كزارا.
قدم «كزارا» فى كتابه الشيق طرق التجارة القديمة وقوافل التوابل والأساطير التى صاغتها الشعوب بمختلف ألوانها وأعراقها حول أنواع التوابل وقدراتها السحرية التى جعلتها سببا فى اشتعال الحروب والصراعات حول العالم للسيطرة على هذه السلعة الساحرة والتى ارتبطت فى أذهان الأمم بالفردوس المفقود.

يقول «كزارا» فى مقدمة كتابه إن التابل هو الجزء العطر من نبتة استوائية، سواء أكان فى جذرها أم زهرتها أم بذرتها. ويوضح الكاتب أن جميع التوابل ذات منشأ آسيوى باستثناء الفانيلا والفلفل الحار والفلفل الحلو. كما أن هناك توابل لا تستخدم إلا من أجل رائحتها فقط مثل اللبان والمُر.
ومع اختلاف أنواع التوابل وتعددها لا يمكن النظر إليها على أنها شيء واحد فالعشبة نبات لا يمتلك جذعا خشبيا، ويموت فى نهاية كل موسم زراعي. وتستمد معظم الأعشاب فوائدها الطبية واستخداماتها كمنكهات من أوراقها.
التوابل الخمسة الرئيسية
تعد القرفة، والقرنفل، والفلفل الأسود وجوزة الطيب، والفلفل الحار التوابل الرئيسية التى لعبت تجارتها واستخداماتها دورا كبيرا فى انتقال التوابل من بلد لآخر وكان لهذه التوابل الخمسة دورا كبيرا فى تاريخ العالم، كما شكلت المعيار الأساسى لتجارة التوابل، فضلا على أنها حققت للتجار والبحارة الذين كانوا يعتمدون عليها فى حياتهم ثروات ذهبية طائلة.
لقد شكلت هذه التوابل الخمسة أيضا المحفز لنشوء الأساطير وعمليات البحث العالمية والمنافسات التى كانت وراء هذه التجارة.

من أين أتى اسم القرفة؟ يقول الكتاب إن اسم القرفة مشتق أصلا من الكلمة اليونانية التى تعنى التابل، وقد حصل اليونانيون بدورهم على الكلمة من الفينيقيين الذين كانوا على الأغلب يعملون فى التجارة البحرية عبر طرق القوافل الشرقية التى خضعت لسيطرة العرب. وقد ورد ذكر القرفة والقرفة الصينية (السنا) فى العهد القديم، وفى النصوص السنسكريتية، وكذلك فى أعمال طبية يونانية.
تعد سريلانكا أو ما كانت تعرف بجزيرة سيلان الموطن الأصلى لتابل القرفة حيث يزرع فى السهول الساحلية إلى الجنوب من العاصمة كولومبو.
والقرفة تنتمى لعائلة الغاريات وتستخرج من لحاء شجرة دائمة الخضرة، ويتم لف شرائح سمراء وبنية شاحبة من اللحاء المجفف داخل بعضها، لتشكل لفائف أو عصى القرفة والتى كلما كان لونها أفتح كانت جودتها أعلى.
تختلف القرفة العادية عن الصينية (السنا) باحتوائها على زيت يدعى «يوجينول». إلا أن القرفة تخسر نكهتها سريعا لذا من الضرورى حفظ اللفائف فى أوعية محكمة الإغلاق للحفاظ على نكهتها سنوات طويلة.
وكتب المؤرخ اليونانى هيرودوس مؤكدا أن الفينيقيين زعموا أن الطيور هى من أتت بالقرفة إلى الجزيرة العربية، لأنها كانت تحملها إلى أعشاشها على حواف الجبال. ولكى يحصلوا على القرفة، اعتاد العرب تقطيع جثث حيوانات كبيرة ووضعها على الأرض قرب العش. وبهذا عندما يقوم الطائر بحمل الطعام ويعود إلى عشه، فإن وزن اللحم سيسبب انكسار العش ومن ثم تسقط القرفة إلى أسفل الجبل فيسارع العرب لالتقاطها. ثم صُدر هذا النوع من البهار إلى دول أخرى.
يورد الكاتب حكاية أخرى وهى أن الطيور استعملت القرفة مادة لبناء أعشاشها على الأشجار. وأن السكان الأصليين كانوا يطلقون السهام ذات الرؤوس الرصاصية لتحطيم العش وجعل القرفة تسقط إلى الأرض.
إن القرفة ومنذ أن عرفها الهنود حافظت على وجودها إلى القرن التاسع عشر حيث كانت من أكثر التوابل المرغوبة فى العالم القديم، فقد عرفت فى الصين باسم «كوي» منذ ٢٧٠٠ عام وعرفتها مصر فى عام ١٥٠٠ وقد سيطرت الصين على تجارة القرفة عبر جنوب شرق آسيا رغم أنها لم تكن تنمو هناك فى ذلك القرن، ومن ثم ظهرت جزيرة سيرلانكا كمصدر أساسى بعد عدة قرون عندما أصبحت القرفة متداولة فى مناطق أكثر فى العالم.
أتت القرفة فى أعمال بعض الشعراء والفلاسفة ومؤسسى علم النبات حيث عبر عنها الشاعر الأيرلندى توماس مور قائلا فى إحدى قصائده:
هذه الطيور الذهبية التى تهبط فى وقت التوابل
فى الحديقة ثملة بهذا الطعام العذب
الذى جذبهم عطره فوق فيضان الصيف
وتلك الطيور تحت أشعة الشمس العربية الرقيقة
تبنى أعشاشها المبطنة بالقرفة.
قصة أخرى رواها «ثيوفارستوس» وهو أحد تلامذة أرسطو والذى لقب بـ«أبى علم النبات» قصة عن القرفة، حيث زعم «ثيوفارستوس» أن منشأ هذا البهار يعود إلى الجزيرة العربية، حيث كان ينمو على شجيرات فى أماكن تحرسها أفاع سامة. ولهذا كان على كل من يحصل على القرفة أن يقسمها إلى ثلاثة أكوام، ومن ثم يختار اثنين بسحب القرعة ويقدم الباقى كتقدمة لإله الشمس كى يحميهم من الأفاعى فى المرات القادمة. وزعم أحد الصقليين أنه كان هناك الكثير من القرفة فى شبه الجزيرة العربية، حتى إنها استخدمت وقودا للطبخ.

كان للعالم القديم أسطورته الخاصة المتعلقة بـطريق القرفة» الذى بدأ فى شمال الهند الصينية وجنوب الصين مرورا بجزر الفيلبين، ومن ثم امتد هذا الطريق إلى جزر الهند الشرقية ليجمع المزيد من القرفة والتوابل الأخرى، ليستمر نحو الغرب عبر الامتداد الواسع للمحيط الهندى الجنوبي. وبالاتجاه إلى الشمال الغربي، عثر فى هذا المسار على أرض تبعد قليلا عن الساحل الشمالى الغربى لمدغشقر فى منطقة تعرف فى الأدب الرومانى الإغريقى باسم (راتبا)، وهى اليوم تقع قرب الحدود بين تنزانيا وموزمبيق. وهكذا كانت القرفة تؤخذ إلى الساحل وتسلم فى موانئ البحر الأحمر.
ويقول الكاتب إن هناك مزاعم أخرى حول تاريخ القرفة فى مصر تقول هذه المزاعم إنها تعود إلى زهاء ٥٠٠ سنة قبل الميلاد. منها ما قاله أحد علماء الآثار عن أنه استطاع شم رائحة القرفة عند العمل على مومياء مصرية قديمة ولكن وكما يقول «كزارا» يصعب إيجاد دليل حقيقى على وجود آثار قديمة للقرفة فى مصر.

يرجع «كرازا» أصل الفرنفل إلى مجموعة جزر مولوكاس (جزر الملوك) البركانية، التى تشكل حاليا جزءًا من إندونسيا. وشجرة القرنفل طويلة، إلى درجة أن جمع براعم زهور القرنفل يحتاج إلى سلالم. وتجمع البراعم عندما تكون قواعدها وردية اللون، وقبل أن تتفتح. ويتم تجفيفها على حصائر فى منطقة مشمسة ومفتوحة، حيث تفقد الكثير من وزنها وتتحول إلى لون يتراوح بين الأحمر والبنى الداكن، وعندها يتم تصنيفها.
تمتاز رائحة القرنفل بلمحات من رائحة الكافور والفلفل، أما طعمه فله نكهة الفاكهة لكنها فى الوقت نفسه مُرة وحارة. وتجعل الفم يشعر بالخدر.
تغنى الأدب السنيكريتى فى الهند بكبش القرنفل إذ أطلق عليه اسم (كاتوكابهالا) الذى يعنى «ذا الرائحة القوية»، وكتب بلينى الأكبر بأنه كان يتم استيراده من أجل رائحته. وفى عام ٣٣٥ مياديا أرسل قسطنطين الأكبر ١٥ كيلو جراما من كبش القرنفل المحفوظة بعناية فى أوعية إلى البابا سلفيستر. ومع مرور الوقت بدأ استخدام القرنفل فى الطعام والشراب، ففى القرن التاسع وضع الرهبان فى دير غالين فى سويسرا هذا البهار الثمين على السمك الذى يتناولونه فى أثناء الصيام، وعند نهاية القرن العاشر رأى أحد الرحالة العرب مواطنى مدينة ماينز وهم يقومون بإضافة كبش القرنفل إلى وجباتهم.
وعن القرنفل فى الأساطير فقد جاء ذكرها فى كتاب «موجز الأعاجيب» لإبراهيم بن وصيف شاه والذى كتبه فى حوالى عام ١٠٠٠ ميلادى حيث يقول: فى مكان ما قرب الهند، تقع جزيرة تحتوى على وادى كبش القرنفل. لم تطأ قدم تاجر أو بحار هذا الوادي، أو تمكن من رؤية نوع الشجرة التى تنتج القرنفل، فكما يروى فإن الجان هم من يبيعون فاكهتها. ويصل البحارة إلى الجزيرة ويضعون أغراضهم وبضائعهم على الشاطئ ويعودون إلى سفنهم وفى الصباح التالي، يستيقظون ليجدوا كمية من كبش القرنفل بجانب كل غرض. ويقال أيضا إن مذاق كبش القرنفل لذيذ عندما يكون طازجا، وإن سكان الجزيرة يأكلون منه أيضا، وبهذا لا يصبيهم المرض ولا يشيخون.
كما أتى ذكر القرنفل فى كتاب «النباتات الطبية» للقديسة هيلدغارد وذلك فى عام ١١٥٠ ميلاديا.
وقد زعمت كتب الأعشاب التقليدية أن الرجل الذى فقد فحولته يستطيع استرجاعها بشرب الحليب الحلو مع ثلاثة جرامات من كبش القرنفل المطحون.
وفى الفلكلور المالوكى تعامل القرويون مع أشجار كبش القرنفل المزهرة وكأنها امرأة حامل. فلا يسمح لأى رجل بالاقتراب منها مرتديا القبعة. ولم يكن يسمح بإحداث أى صوت أو ضجة بالقرب منها ولا يسمح بمرور أى ضوء أو نار قربها فى الليل خوفا ألا تحمل الثمار. وما زال بعض المالوكين يزرعون شجرة كبش القرنفل عند ولادة أى طفل، معتقدين أنه إن ازدهرت الشجرة فإن حياة الطفل ستزدهر أيضا. وكان يعتقد أن شجرة كبش القرنفل حارة جدا، بحيث لا يمكن نمو أى شيء تحتها، حتى إنه إذا ترك وعاء من الماء قرب الشجرة فستتبخر المياه فى أقل من يومين.
وفى العصور الحديثة يضع سكان الهند الشرقية كبش القرنفل فى فتحتى الأنف أو بين الشفاه لمنع الأرواح الشريرة من الدخول إلى أجسامهم.

تعود أصول الفلفل الأسود إلى ساحل مالابار فى جنوب غرب الهند، حيث عرف منذ آلاف السنين عبر العالم ليجد طريقه إلى مختلف المواضع فى مسار قوافل التجارة والشبكة البحرية المؤلفة من السفن الصغيرة التى زارت الموانئ الواقعة شرق المحيط الهندي.
ينمو هذا التابل أيضا فى إندونسيا والبرازيل وفيتنام وماليزيا ولا يزال الفلفل الهندى المستخرج من ساحل مالابار أفضل فلفل أسود فى العالم لرائحته التى تشبه رائحة الفواكه ولذوعة طعمه، فى حين يحتوى فلفل لامبونغ الإندونيسى زيتا أقل مما يجعل من طعمه أكثر لذعا وأقل شبها بالفاكهة. يعد فلفل مونتوك الذى يأتى من إندونسيا أفضل أنواع الفلفل الأبيض.
وبعيدا نحو الشرق فى الصين، تشير (سجلات هان) التى تعود إلى القرن الثانى الميلادى إلى المعرفة بوجود نبتة اسمها (الفلفل الأسود) والتى كان يعتقد أنها تأتى من غربى الصين. لكن من المرجح أن الفلفل أتى من الاتجاه المعاكس، أى شرق الهند.
ويقول بعض المؤرخين إن الفلفل الأسود زرع أول مرة فى جافا من قبل المستعمرين الهندوس، الذين نقلوه إلى هناك زهاء عام ١٠٠ قبل الميلاد. قد تكون جافا هى المصدر الرئيسى للفلفل الصينى بما أن الدخول إليها عبر البحر كان أسهل من الهند الغربية.
كان الفلفل الأسود عنصرا مهما فى طعام الصينين الذين استخدموا النوع الطويل منه ذا الطعم اللاذع أكثر فى أطباقهم.
كما استخدموه فى الطب كمحفز ودواء مقو للهضم ومساعد لتخفيف آلام المغص والنفخة.

يعود أصل الفلفل الحار إلى الأمريكتين الوسطى والجنوبية وجزر الكاريبي. وهناك أنواع كثيرة للغاية من هذا الفلفل، تأتى بأشكال وألوان لا تحصى. يقطف الفلفل الأخضر الحار بعد ثلاثة أشهر من زراعته. أما الفلفل الذى سيؤكل ناضجا فيترك وقتا أطول على نباته. يجفف الفلفل عادة فى الشمس، ولكن يمكن أيضا تجفيفه اصطناعيا.
كان هذا التابل وغيره ينظر إليه الأوروبيون باهتمام بالغ، فقد نظروا إليه أيضا من خلال السياق الديني. ولم تأت هذه السلع ذات الرائحة الطيبة من مناطق بعيدة كالهند ومولوكاس فحسب، وإنما أتت من عالم الأساطير والخرافات.
فى كتابه (مذاق الجنة) كتب «ولفغانغ شيفلبوخ»: تصور الأوروبيون أن الفلفل كان ينمو فى غابات الخيزران فى سهل قرب الجنة. وكان يتم نقل الزنجبيل والقرفة من جانب صيادى السمك المصريين بإلقاء شباكهم فى مياه الطوفان من النيل، وبذلك يحضرون التوابل التى أتت من الجنة مباشرة. وكان الاعتقاد سائدا بأن رائحة التوابل هى نَفَس ينتقل بسلاسة إلى عالم الإنسان.
ولم يستطع أى كاتب من العصور الوسطى أن يتصور الجنة بدون طعم التوابل ورائحتها. سواء أكانت هذه الحدائق الموصوفة بالشعر خدمت العشاق أو القدسيين. فإن الجو عبق بالتأكيد برائحة القرفة وجوزة الطيب والزنجبيل وكبش القرنفل المسكرة والنادرة. وبناء على هذه التخيلات كان يمكن للعشاق أن يتبادلوا بهارات معينة كعهد لعلاقتهم.
كما كان الفلفل يستخدم فى القرن الحادى عشر، لدفع رسم دخول السفن فى لندن. وكانت حبات الفلفل مقبولة كوسيلة لدفع الإيجار والرسوم فى بعض البلدان الأوروبية. وكان يمكن لمزارعى إنجلترا دفع إيجارهم بباوند واحد من الفلفل، ومن هنا ظهر مصطلح «إيجار حبات الفلفل» وعندما حاز الأمير تشارلز على لقبه كدوق كورنويل فى عام ١٩٧٣، كان باوند من الفلفل جزءا من التقدمة التى حصل عليها.

تعود جذور جوزة الطيب إلى جزر باندا الإندونيسية، وتنمو فى سيرلانكا وسومطرة وجزر الهند الغربية، حيث أنتجت جزيرة غرناطة فى وقت من الأوقات ثلث محصول العالم.
وفى كتابها عن الشفاء قالت هيلدغراد عن جوزة الطيب إن من يتلق حبة منها فى يوم رأس السنة ويحملها فى جيبه مدة سنة قد يقع دون أن تكسر فيه أى عظمة. وبالإضافة لهذا فلن يعانى هذا الشخص من الجلطات أو النزيف الداخلى أو الحمى القرمزية أو البثور.
أحضر التجار العرب جوزة الطيب وقشرتها إلى القسطنطينية فى القرن السادس. وبحلول القرن الثانى عشر أشير إلى أهمية جوزة الطيب فى الدول الأوروبية وصولا إلى أبعد الدول الاسكندنافية. واستخدمت جوزة الطيب كبخور كذلك. وعندما توج هنرى السادس إمبراطور روما عام ١١٩١، تم حرق جوزة الطيب فى الشوارع مع بهارات أخرى مدة قبل تتويجه. وبحسب ما أورده «تشوسر» فقد أحب الناس وضع جوزة الطيب فى الجعة. وفى أيامنا هذه يستخدم البافاريون جوزة الطيب فى جعة الجذور.
وكانت جوزة الطيب أداة للترويج للتميز الجنسى فى بدايات القرن السادس عشر وقد قام الفيزيائى الهولندى «ليفينوس لينيوس» مؤلف كتاب (قوى الطبيعة الخفية) بتمجيد سلطة الرجل على المرأة بزعمه أن جوزة الطيب التى يحملها الرجل ستكبر لتصبح أجمل وأكثر عصارة ولها رائحة أقوى، فى حين أن جوزة الطيب التى تحملها المرأة ستتجعد وتصبح جافة وغامقة وقبيحة.

ينصح «فريد كزارا» القراء فى نهاية كتابه الممتع بألا ينجرفوا وراء الإنترنت ويهمل استخدام المادة التقليدية المطبوعة والسينما والفنون البصرية والسمعية الأخرى كالموسيقى الشعبية مثل ألبوم: (spice of Zanaibar) أو (توابل زانجبار)، وأفلام مثل: (Mirch Masala) أو (فلفل مسالا) الذى ظهر فى عام ١٩٨٥ ويتحدث عن عمال مصانع التوابل فى الهند، وفيلم (A Touch of spice) أو (لمسة التوابل) الذى ظهر فى عام ٢٠٠٣ ويتحدث عن شاب يونانى وجده الذى يملك محل توابل فى إسطنبول، وفيلم ( The Mistress of spices) أو (عاشقة التوابل) وهو من إنتاج عام ٢٠٠٥.
كما نصح «كزارا» قراءه بقراءة رواية سلمان رشدى (The Moor،s Last Sigh) التى تروى حكاية عائلات العاملين فى التوابل، التى تعيش على ساحل مالابار فى الهند منذ أكثر من ١٠٠ عام.
ورواية ((Dune لفرانك هيربيرت والتى تتحدث عن دور التوابل فى عالم الخيال العلمي.
الشعر أيضا يشكل مجالا واسعا للاكتشاف، فمثلا تدعو قصائد «جون دارناي» ( Astraea Redux)، ( Amboyna)، (Annus Mirabilis) إلى التجارة والتوابل.
ومن الحقبة الرومانسية اختار «كزارا» رواية (Little Derwent،s Breakfast) للكاتبة إيميلى تريفين، وكذلك كتاب تيموثى مورتون ( The Poetics of Spice) أو (شعراء التوابل). وأخيرا، هناك السفر الذى يستطيع من خلاله المرء أن يجرب التوابل فى نواح مختلفة، والقيام بنفس الرحلات التى كان يقوم بها تجار التوابل الأوائل.