رغم أن حركات المحافظين وقرارات تعيينهم فى بلادنا يمتد تاريخها الحديث إلى ما يقرب من ٥٨ عامًا منذ أن صدر القانون ١٢٤ لسنة ٦٠ فإن الكثير من المحافظين عبر تاريخ المحليات فى بلادنا يميل معظمه فى الفكر التنفيذى إلى ما يسمى سياسة إطفاء الحرائق أى الاهتمام بالقضايا العاجلة والسريعة الملحة وبعض المشاكل اليومية.
من خلال حلول جزئية للصرف الصحى أو تنظيم المرور فى بعض الشوارع أو التدخل لاحتواء أزمة داخل المحافظة من خلال الأحداث اليومية من إغلاق شوارع أو حوادث سير أو مشاكل طارئة يومية وفى أحسن الأحوال الاهتمام الزائد بالشوارع والميادين أمام الدواوين العامة ومبنى المحافظة الرئيسي.
ويمتد الاهتمام الزائد من خلال تنفيذ التعليمات والتوجيهات العامة من قبل رئيس مجلس الوزراء، وذلك بتبني وتنفيذ التوجيهات التى تصدر من رأس الحكومة فى اجتماعات مجلس المحافظين والذى يجتمع بشكل دوري.
كما يمتد اهتمام المحافظين نحو التصريحات الإعلامية والأحاديث الصحفية عن طريق القنوات الإقليمية المحلية فى اهتمام واضح وبعبارات إنشائية منها «بناء على توجيهات رئيس الجمهورية ومن خلال اهتمام السيد رئيس الوزراء تم عمل وانجاز.. كذا وكذا».
ويأتى ذلك أيضًا عقب أداء اليمين الدستورية وصدور قرارات تعيين هؤلاء المحافظين وللأسف أصبحت سياسة إطفاء الحرائق أو الحلول الجزئية من المشاكل فى المحافظات منهج عمل لبعض المحافظين، ويأتى ذلك للأسف الشديد ويعبر عن السياسة المركزية الشديدة التى تحكم بلادنا حتى أصبح المحافظون فى المحافظات منفذين للتوجيهات المركزية احترامًا وإرضاء لتلك الحكومات المركزية. ومن هنا غابت المشروعات التنموية المستقبلية فى المحافظات مع غياب أى رؤى حول مستقبل المحافظات سواء فى التخطيط المحلى أو الاستخدام الأمثل للثروات والموارد الطبيعية التى حبى الله بها المحافظات وما بها من ثروات ومزايا تنافسية مع الضعف الشديد فى النظرة السياسية لأهمية القوى البشارية لكل محافظة على حدة. ومن هنا تأثرت التنمية بشكل سلبى فى الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات مع ارتفاع ملحوظ لحجم ومشاكل البطالة فى المحافظات بين الشباب وزيادة معدلات المخاطر الاجتماعية فى المحافظات مع ظهور العشوائيات وارتفاع نسب الجريمة وتأخير سن الزواج فضلًا عن تعاظم العشوائيات فى داخل المدن. حيث الفوضى فى الأسواق وعدم الاهتمام بمستوى النظافة العامة ومستويات التجميل والتشجير لغياب الرؤى المستقبلية للتنمية فى المحافظات، ويسهم فى ذلك غياب وعدم وجود المجالس الشعبية المنتخبة للمشاركة بالرأى فى تطوير المجتمعات المحلية فضلًا عن غياب دور الجامعات الإقليمية وعلاقاتها بتطوير المجتمعات المحلية وغياب الرؤية العلمية لتطوير تلك المحافظات.
ونظرًا لأن هناك معوقات كثيرة للأمانة تواجه المحافظين منها:
- التدخل المركزى الشديد من كل الوزارات والهيئات السيادية فى أعمال المحافظات.
- تداخل السلطات المركزية فى صناعة القارات المحلية بشكل له تأثيرات سلبية وغير إيجابية.
- عدم الاستقلال المالى للمحافظات والسيطرة المركزية فى توزيع الموازنات والميزانيات الهزيلة التى لا تفى بتحسين الخدمات أو تسهم فى التنمية المحلية ما يضع المحافظين فى حرج ويضعف مواقفهم سياسيًا، وهم الحكام المباشرون أمام أبناء المحافظات.
- غياب المجالس الشعبية المنتخبة لما يزيد على ١١ عامًا ما يساعد فى ضعف التعرف على آراء القيادات الطبيعية المحلية وإبعاد غياب المشاركة الشعبية فى التوجه نحو اللامركزية.
ومن هنا يظهر جليًا غياب التنمية الشاملة والمستدامة فى المحافظات بالإضافة إلى هدر الموارد والثروات الطبيعية وتعاظم الفساد بشكل خطير بكل مظاهره المالى والإدارى وهدر إمكانيات المحافظات سواء الأراضى الزراعية أو أراضى البناء أو حتى التخطيط السليم للاستخدام الأمثل لأراضى المحافظات التى أصبحت مرتعًا للإهمال والفساد.
ويضاف إلى ذلك تدنى مستوى الخدمات فى مجالات البيئة - الصحة - التعليم والطرق المحلية وتنظيم الأسواق وظواهر المساكن الآيلة للسقوط مع تراكم وتزايد مشاكل القمامة فى عموم المحافظات لا فرق بين مدن ومراكز وقرى وحتى أحياء سكنية جديدة. وبعد فإن الأمر أصبح مرهونًا بأهمية تنفيذ الاستحقاق الدستورى بسرعة إصدار قانون الإدارة المحلية وإجراء الانتخابات من أجل تمكين الشباب المصرى فى المحليات ومن أجل خلق جيل جديد قادر على التعبير والمشاركة المجتمعية فيما يفيد المحليات وتطويرها للأفضل. ولعل الأمر يتطلب من رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بأن تطوير المحليات والتنمية المستدامة لن يتم إلا من خلال:
١- أهمية التدريب للشباب عن طريق الأحزاب المصرية من أجل المشاركة والاستعداد لانتخابات المجالس المحلية بشكل راقٍ وليس عن طريق اختيار الصفوة أو السيطرة غير الديمقراطية على مقدرات المحليات.
٢- أهمية إعادة النظر فى رفع مستويات وتدريب المحافظين بشكل يسهم فى الارتقاء بمستوى أدائهم والميل الديمقراطى نحو المشاركة من أجل التنمية والرؤى المستقبلية للمحافظات.
٣- لم يعد مقبولًا فى ظل النظم الديمقراطية أن نتمسك بتعيين المحافظين فقط وعلينا أن نجرب اختيار المحافظين بالانتخابات مثل رئيس الجمهورية ولسنوات محددة قابلة للتقييم والمتابعة والقيادة للأداء المحلى خصوصًا نحو التنمية المستدامة فى المحافظات.
٤- إن التفكير المستقبلى للمحافظات وتطويرها يتطلب مشاركة أمينة وجادة من خلال الشخصيات العامة وقيادات العمل الأهلى والقيادات السياسية والحزبية فى المحافظات وبمشاركة أساتذة الجامعة وبتعظيم الدور العلمى للجماعات الإقليمية وعلاقاتها بالمحافظات.
٥- ضرورة مشاركة القنوات المحلية والصحف والإعلام المحلى بدور تنموى يتطلع لمناقشة وطرح حل للمشاكل ووضع رؤى التطوير المحافظات بشكل علمى وموضوعى يتناسب مع إمكانات كل محافظة وقدرتها والمزايا التنافسية فيها.
وفى النهاية لا شك أن أهم عناصر التنمية المستدامة والتى أقرتها مصر من خلال رؤية ٢٠٣٠ ورؤية الأمم المتحدة الخاصة بالمواد الـ١٨ الشهيرة الخاصة بالتنمية المستدامة هو البداية الحقيقية من أجل تطوير بلادنا للأفضل ونحو ما يستحقه المصريون من أجل حياة أفضل وأكرم ومستقبل أجمل لبلادنا.