رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«ليبيا- سيناريوهات مفتوحة»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد معركة تحرير طرابلس التى أطلقها قائد الجيش الليبى المشير خليفة حفتر بداية لتحقيق انفراجة فى الأزمة السياسية التى تعيشها ليبيا منذ سنوات، والتى تمثل الميليشيات والكتائب المسلحة المنتشرة فى طرابلس عائقًا أمام تفعيل أى من الاتفاقات الموقعة، سواء فى الصخيرات كأساس للحل السياسى أو اتفاق الزاوية الخاص بحل التشكيلات المسلحة وإقرار ترتيبات أمنية جديدة فى طرابلس، حيث تشكل الميليشيات المسلحة التى تنتشر فى مدن المنطقة الغربية، وتحديدا فى مدينتى مصراتة وطرابلس عائقًا أمام أى تحركات أممية أو دولية لنزع فتيل الأزمة الليبية، فضلًا عن سيطرة تلك الميليشيات على مؤسسات الدولة ومنشآتها فى العاصمة الليبية طرابلس.
فجيش ليبيا الوطنى لم يتحرك ليمارس عدوانًا خارجيًا أو داخليًا، وإنما تحرك ليطهر عاصمة بلاده من العصابات الإرهابية التى تعيث فيها فسادًا ونهبًا وصراعًا على مناطق النفوذ ومصادر الثروات المملوكة لشعب ليبيا، وليس خافيًا على أحد وخاصة فى دول أوروبا على الشاطئ الآخر من البحر المتوسط، أن فى العاصمة الليبية أكثر من ثلاثين عصابة إرهابية تتوزع انتماءاتها بين الإخوان والقاعدة والدواعش وغيرها.
وليس خافيًا على أحد أيضًا أن هذه العصابات لا تقتصر على المتطرفين من الليبيين، ولكنها تضم إرهابيين من مختلف أنحاء العالم، وأنها أصبحت أخيرًا الملاذ الأكبر للهاربين من سوريا الذين يتم نقلهم برعاية تركيا وقطر ليضاعفوا المخاطر على شعب ليبيا وعلى دول الجوار وفى مقدمتها مصر وتونس والجزائر.
فقد عانت ليبيا منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافى من وجود تلك الكيانات والتشكيلات المسلحة، التى تمتلك ترسانة أسلحة حديثة، وخاصة فى مدينة مصراتة التى تحظى بغالبية إسلامية متطرفة، ولاسيما من تيار جماعة الإخوان الليبية، وتحكم بعض الأطراف الإقليمية والدولية على قرار هذه الميليشيات التى باتت مرتهنة للخارج، وتهدد أمن واستقرار الدولة الليبية بسبب ممارساتها البشعة ضد المدنيين.
وبلا شك تحتاج ليبيا إلى مؤسسات أمنية وعسكرية قوية لمكافحة الإرهاب وعصابات الجريمة والهجرة غير الشرعية، وهو ما تحركت مصر لإنجازه خلال الاجتماعات الستة التى احتضنتها القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، والذى رفضت الميليشيات المسلحة الاتفاق وضغطت على رئيس المجلس الرئاسى الليبى فائز السراج لعدم التوقيع.
فقد تسبب الانقسام الحاد بين قادة الميليشيات المسلحة وتجار الحروب الذين يعبثون بأمن واستقرار ليبيا واقتصاد البلاد فى تعميق الانقسام وتحميل المواطن الليبى أعباء اقتصادية ضخمة، ومعاناة المواطنين فى الحصول على رواتبهم من المصارف الليبية فى طرابلس، وذلك بسبب هيمنة قادة الميليشيات المسلحة على تلك المصارف وممارستها للابتزاز لكل رؤساء مصارف طرابلس.
وقد كانت المأساة أن تفرض دول الغرب الحصار على الجيش الوطنى الليبى وتحرمه من السلاح لسنوات، بينما تتغاضى عن سفن تركيا وهى تنقل السلاح والإرهابيين إلى ليبيا، وتغض عيونها عن الطائرات وهى تنتقل بين مطارات تركيا والمطارات الليبية التى تسيطر عليها ميليشيات الإخوان المدعومة بأموال قطر.
والأدهى أن بعض الدول التى تتصارع على نهب ثروات ليبيا كانت سعيدة بهذه الأوضاع. تدفع الإتاوات للعصابات الإرهابية وتمدها بكل احتياجاتها، لكى يبقى الانقسام، ولكى لا تعود الدولة لتفرض سلطتها وتستعيد ثرواتها.
وتدرك الأطراف الإقليمية والدولية أهداف معركة تحرير طرابلس التى يقودها الجيش الوطنى الليبى بعد مشاركة عناصر إرهابية ومرتزقة أفارقة فى قتال القوات المسلحة الليبية، وعرقلة تقدم القوات التى تسعى لتخليص العاصمة من أمراء الحروب وسراق المال العام، والدفع بالبلاد نحو نظام سياسى وديمقراطى مستقر.
والآن.. وجيش ليبيا الوطنى على أبواب عاصمته طرابلس وعلى وشك تطهيرها من عصابات الإرهاب، نجد بعض القوى المتصارعة على ثروات ليبيا تصر على حماية الميليشيات الإرهابية. وبدلا من الوقوف مع تطلعات الشعب الليبى فى استعادة دولته والحفاظ على وحدته، تقف هذه الدول مع عصابات الإرهاب التى تدعمها تركيا وقطر، هى تعلم جيدًا أنها بهذا السلوك لا تفعل شيئًا إلا إطالة عمر الصراع الذى يدفع ثمنه شعب ليبيا، والذى يزيد المخاطر فى منطقة فيها ما يكفى من الحروب والصراعات، ومنذ البداية كان الهدف هو استعادة ليبيا لدولتها والحفاظ على وحدتها، وهو أمر يستوجب الحل السياسى بديلا للحروب، لكن هذا الحل لا يأتى وعاصمة البلاد رهينة فى أيدى الميليشيات، ولا يتحقق إلا بدعم الجيش الوطنى ليستكمل مهمته فى تطهير ليبيا من عصابات الإرهاب وقطع الأيدى التى تمد لها يد العون، والتى لم تكتف حتى الآن بكل ما ارتكبته من جرائم فى حق ليبيا وشعبها الشقيق. 
ولكن السؤال الأهم، والذى يشغل بال الكثيرين الآن، ما هى السيناريوهات المحتملة للأحداث الفترة المقبلة؟
السيناريو الأول: أن يتمكن حفتر من حسم المعارك لصالحه، معتمدًا على شوق غالبية الليبيين للاستقرار والعيش تحت سماء الدولة الموحدة وسيادة القانون، بدلا من هيمنة الميليشيات التى قلبت حياتهم إلى جحيم لا يطاق. هذا الحسم يعتمد بطبيعة الحال على دعم ومساندة العديد من الدول العربية والأجنبية. الجيش الليبى يدخل المعركة متسلحًا بانتصارات ميدانية فى الشهور الأخيرة، جعلته يسيطر على جنوب وغرب البلاد، إضافة إلى قاعدته الرئيسية فى الشرق وبالأخص بنغازى.
السيناريو الثانى: أن تتمكن ميليشيات طرابلس من منع الجيش الوطنى من دخول العاصمة.. وهناك تقديرات متواترة عن دعم ومساندة تلقتها هذه القوات أخيرًا من تركيا وقطر، تمثلت فى إرسال مئات المقاتلين المتطرفين، من سوريا بحرًا إلى مالطة، ومنها إلى مدينة مصراته الليبية، التى تشكل رأس الحربة فى مواجهة الجيش الوطنى، ويسيطر عليها بالأساس مجموعات متطرفة، خصوصًا من الإخوان والسلفيين.
لو تحقق هذا السيناريو، فيعطى الميليشيات فرصة لشن هجوم مضاد على قوات الجيش، معتمدة على هذا النصر المعنوى والدعم الخارجى بالأساس.
السيناريو الثالث: أن تظل الأوضاع على ما هى عليه، أى يظل حفتر مسيطرًا على الشرق والجنوب، فى حين تسيطر الميليشيات على العاصمة طرابلس وبعض مدن وطرق الغرب. ويتكرس الانقسام لفترة طويلة. غالبية القوى الغربية لن تجد مشكلة فى التعامل مع هذا الوضع، شرط أن يكون تقسيمًا وانقسامًا مسيطرًا عليه. يتيح لها استمرار تدفق البترول أولا، ومنع عمليات الهجرة غير الشرعية. ثم إن هذا السيناريو مفيد لبعض القوى الغربية لإزعاج مصر ووضعها فى حالة قلق دائم.
فى تقدير الخبراء أن هناك صراعا فرنسيا إيطاليا محموما فى ليبيا، باريس تفضل أن يحسم الجيش الوطنى الأمور، وإقامة دولة موحدة بمؤسسة عسكرية واحدة، أما إيطاليا فتميل إلى حد ما باتجاه حكومة السراج التى تعترف بها الأمم المتحدة، لكنها عجزت عن توحيد البلاد أولًا، وصارت عمليًا تحت سيطرة ورحمة ونفوذ الميليشيات وقادتها ومعظمهم من المتطرفين والمتحالفين معهم، وفى ظل هذا التنافس الفرنسى الإيطالى، فإن الذى سيرجح الكفة هو الموقف الأمريكى، فواشنطن لم تكن تود حفتر كثيرًا، لكنها بدأت تصاب بالقلق الشديد من النفوذ الكبير للميليشيات العسكرية التى تسيطر فعليًا على العاصمة، والملاحظة المهمة أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية المؤثرة بدأت تتنبه لخطورة الميليشيات وانفلاتها الشديد، ما قد يؤدى إلى تطورات خطيرة فى المستقبل.
أحد المواقف المهمة والمؤثرة فى هذا الصراع هو الموقف المصرى، القاهرة كانت واضحة منذ سنوات حينما بدأت الأزمة وحتى اندلاع الاشتباكات الأخيرة، وجهة نظرها أنها مع توحيد الجيش الوطنى، وعدم السماح للميليشيات بالسيطرة على الأوضاع. فمصر لا تخفى دعمها للجيش الوطنى الليبى. والرئيس عبدالفتاح السيسى استقبل المشير خليفة حفتر فى القاهرة يوم الأحد الماضى، وكرر وأكد الموقف المصرى مرة أخرى.
هذا الاستقبال يعطى رسالة مهمة، لكل أطراف النزاع، المواقف الخليجية خصوصًا الإمارات والسعودية تقترب من الموقف المصرى كثيرًا، فى حين تتبنى قطر موقف الميليشيات الإخوانية على طول الخط ومعها تركيا. فى حين أن السودان صار مشغولًا بأزمته الداخلية، بعد التطورات الدراماتيكية وكذلك الجزائر.
وهناك من يربط بين هذه التطورات وبين تحرك الجيش الوطنى الليبى باتجاه طرابلس. خصوصًا فى ظل تقارير غير مؤكدة بأن نظام عمر البشير كان يسمح بمرور الأسلحة للمتطرفين فى طرابلس عبر الدروب الصحراوية أو الطائرات القطرية، فى حين أن نظام عبدالعزيز بوتفليقة لم يكن يود كثيرًا المشير حفتر. تلك هى الصورة المختصرة، فمن الذى سيتمكن من حسم الأمور لصالحه؟! كل ما نتمناه أن تقود ليبيا حكومة واحدة بجيش واحد، وليست عصابات أو ميليشيات لا نعرف لمن تدين بالولاء.
حفظ الله مصر وشعبها وجيشها