«مبارك شعبى مصر» (إصحاح أشعياء ١٩) عبارةٌ وُجِدَ «الإنجيل العائم» مفتوحًا عليها عندما ظهر هذا الإنجيل طافيًا على صفحة النيل الخالد فى منطقة المعادى قبالة كنيسة السيدة العذراء فى عام ١٩٧٦ ليستقر بجوار سلم المرفأ الذى استقلت منه العائلة المقدسة مركبًا فى النيل لتصل إلى صعيد مصر عند أسيوط، ومبارك كل فريق قناة «القاهرة» (الثالثة) إحدى أيقونات الهيئة الوطنية للإعلام بقيادة الإعلامى الواعى محمد هلال التى أنتجت فيلمًا تسجيليًا رائعًا عن رحلة العائلة المقدسة فى مصر تواكب عرضه مع الأعياد القبطية، وأنعش ذاكرة مصر الدينية من خلال إحياء جزء مهم من مسار العائلة المقدسة فى مصر.
الفيلم اختير له عنوان لافت «بصمات على أرض المحروسة.. العائلة المقدسة»، والتى ضمت السيد المسيح عليه السلام والسيدة مريم العذراء ويوسف النجار وسالومى، وقضت فى مصر أربع سنوات تقريبًا، وصارت خطواتها خالدة وتشع نورًا لمصر فى الأرض والهواء، وصار كل ما فى مصر مقدسًا بعد هذه السنوات التى باركتها فيها العائلة المقدسة، وصرنا نفتخر بين العالمين بهذه السنوات التى احتضنت فيها مصر المسيح وحمت فيه المسيحية من بطش الرومان.
ويُؤرخ لبداية هذه الرحلة فى اليوم الرابع والعشرين من بشنس بالتقويم القبطى الموافق أول يوليو، حيث مرت العائلة المقدسة بحوالى ثمانى محافظات، ومن بين هذه الأماكن كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، وتعد هذه الكنيسة من أبرز الكنائس التى تحمل هذا الاسم، وذلك لخصوصية الأحداث التاريخية التى شهدتها هذه الكنيسة والآثار القبطية التى يقصدها كل مسيحى، فتعتبر هذه الكنيسة علامة أثرية يقصدها السائحون حين يأتون إلى مصر.
وتعتبر هذه الكنيسة التابعة لإيبارشية شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية أهم الكنائس نظرًا لتاريخها الحافل ومُقام العائلة المقدسة بها، وتأسست هذه الكنيسة فى القرن الثانى عشر الميلادى، وذكر فى كثير من كتب التاريخ الكنسى، حيث إنها إحدى المحطات المهمة لرحلة العائلة المقدسة فى مصر، وأُعيد بناؤها عام ١١٨٢ ميلادية ودُشنت فى عهد البابا غبريال، ثم أُعيد بناؤها مرة أخرى فى بداية القرن العشرين، وجُددت على شكلها الحالى عام ٢٠٠٠.
وأُقيمت هذه الكنيسة على المغارة التى احتمت بها العائلة المقدسة واتخذته مأوى لها، وبجوارها بئرٌ ارتوت منه العائلة واستحمت به وغسلت منه ثيابها. وبُنيت الكنيسة على الطراز البيزنطى، وتضم عديدًا من الصور الأثرية منها صورة دخول العائلة المقدسة مصر وترجع للقرن السادس عشر الميلادى وصورة القديسة دميانة والأربعين شهيدًا.
ومن بين الأماكن المهمة التى مرت بها العائلة المقدسة وعَرَض لها الفيلم «شجرة مريم» التى توجد فى أقصى شمال القاهرة بالقرب من المطرية، والتى تُعد مزارًا سياحيًا عالميًا، ويُذكر أن هذه الشجرة انحنت على المسيح وأمه حتى تقوم بإخفائهما عن أعين هيرودوس لينجيهما الله من بطش الرومان، ويتبرك بهذه الشجرة كثيرون أقباطًا ومسلمين.
وتتوارد بعض الأقوال حول هذه الشجرة؛ فالبعض يقول إن هذه الشجرة سقطت عام ١٦٥٦ ميلادية نتيجة للوهن الذى تعرضت له، وقام بعض الكهنة الآباء الفرنسيسكان بتجميع أغصان وفروع الشجرة التى نبتت من جديد مكان الشجرة الأولى فى عام ١٦٧٢ ميلادية، وقد تطوع أحد الرسامين الكوريين برسمٍ تخيلى للعذراء مريم وطفلها وهما يستظلان بالشجرة.
ويضم المكان «غرفة المحكى» التى تحتوى على اللوحة التخيلية للشجرة والعائلة المقدسة، وفى جانب آخر معرض يضم جميع المحطات التى مرت بها العائلة المقدسة بمصر من سيناء والصحراء حتى صعيد مصر من صور وخرائط تزين الجدران.
وفى مكان قريب من هذه الشجرة المباركة توجد كنيسة العائلة المقدسة بالمطرية، والتى بُنيت على المغارة التى احتمت بها السيدة العذراء، وقد أُنشئت هذه الكنيسة فى نوفمبر من عام ١٨٩١ ميلادية.
كما عَرَض الفيلم لمجمع الأديان فى مصر القديمة الذى تتعانق فيه أصوات الأذان مع أجراس الكنائس كرمز أبدى للتسامح الدينى على أرض هذا الوطن، وتحدث الفيلم عن حصن بابليون، ويوجد به دير وستة كنائس من بينها الكنيسة المعلقة وكنيسة أبو سرجة، وقد زارته العائلة المقدسة عند مرورها بمصر. ومكثت العائلة المقدسة فى مغارة بهذا الحصن لمدة ثلاثة أشهر، حيث توجد بئر ماء شربت منه.
وتعد كنيسة السيدة العذراء على نيل المعادى شاهدةً أيضًا على رحلة العائلة المقدسة، حيث اتخذت من سراديبها مرفأ لعبورها عبر النيل إلى صعيد مصر، وتحديدًا إلى الجبل الذى أُنشأ عليه دير «المحرق».
وكان المتحدثون فى هذا الفيلم التسجيلى الرائع قامات دينية وتاريخية وأثرية، وهم القمص شاروبيم ميلاد كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد، والقمص جيروم مجدى كاهن كنيسة السيدة العذراء بمسطرد، وريهام الشربينى مفتش آثار شجرة مريم، والمؤرخ ماجد الراهب عضو المجلس الأعلى للثقافة ورئيس جمعية المحافظة على التراث المصرى، والقمص بكير منير راعى كنيسة المغارة أبوسرجة بمصر القديمة، والقس استفانوس صبحى راعى كنيسة السيدة العذراء مريم بالمعادى.
تحيةُ تقدير وإعزاز لكل الفريق الذى توافر على هذا الفيلم التسجيلى الرائع وعلى رأسهم الإعلامى المبدع محمد هلال رئيس قناة «القاهرة» والمشرف الفنى أيمن عبدالغفار وصاحبة الفكرة والإعداد الإعلامية اللامعة إيمان تركى التى كنت أُتابع تنفيذها لهذا العمل الضخم من خلال تدويناتها على الفيس بوك، وصاحب الصوت الهادئ والرصين فى قراءة التعليق لطفى عبدالفتاح ومدقق المادة العلمية الثرية والغزيرة المؤرخ ماجد الراهب، وصاحب الرؤية الفنية التشكيلية وحركة الكاميرا المبدعة الفنان مجدى شندى، والمونتاج الذى قدم لقطات رائعة وانتقالًا سلسلًا وشيقًا بين المشاهد للفنان عادل محمد ومخرج هذه الأوركسترا الفنية الراقية طارق سلام.
وفى النهاية أُطالب الهيئة الوطنية للإعلام وقناة «القاهرة» بترجمة هذا الفيلم التسجيلى الرائع إلى لغات العالم المختلفة، ووضعه ضمن اتفاقات التبادل الإعلامى، لأن هذا الفيلم يمكن أن يجلب مئات الآلاف من السياح من جميع أنحاء العالم لزيارة المعالم المقدسة التى مر بها السيد المسيح والسيدة العذراء بمصر، ويمكن أن يكون إحدى أدوات القوة الناعمة للدولة المصرية، التى تتعانق فيها مختلف الحضارات الفرعونية والإسلامية والقبطية على أرض واحدة وتحت سماء واحدة، وهو ما لا يتوافر لأي وجهة سياحية فى العالم أجمع.