الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

النخبة والمرحلة الساداتية (15)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أن بعد مجىء السادات، وما حدث للنخبة الناصرية الحاكمة فى ١٥ مايو ١٩٧٢ وإدخالها السجون، والتى كانت تضم رئيس الوزراء وقيادات الجيش والإعلام، كما شملت حركة القبض أيضًا رموز وكوادر كثيرة وفعالة ومؤثرة من قيادات الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى وكذلك منظمة الشباب الاشتراكية، كان هناك البديل لهذه النخبة ممن انضموا للسادات على أرضية نفعية مع أى سلطة أو من أضيروا من نظام عبدالناصر لكنهم كانوا يسايرون الوضع، أو من انضموا للسادات على الطريقة القبلية التى كان يجيدها السادات وكان يستغلها حتى آخر أيامه «كبير العائلة»، بالإضافة إلى الجماعة الشعبية أو بالأصح الشعبوية التى دائمًا ما تكون مع أى سلطة وهم بالطبع الغالبية من الشعب الذى يتأثر بالإعلام والشعارات والوعود والأمانى بعيدًا عن أى وعى أو فكر أو أيديولوجية، والتيار الشعبى هذا هو ذلك التيار الذى لعب بعقوله ووعيه اتجاهان دينى وسياسي.
فالسياسى هذا لعب على أرضية الوعود والأمانى خاصة بعد انتصار أكتوبر ١٩٧٣، وكان السادات قد استغل هذا الانتصار كشرعية جماهيرية لحكمه بديلًا لشرعية يوليو ١٩٥٢، وهنا وجد السادات الفرصة سانحة، بعد ١٩٧٣ حيث كان قد تخلص من الحرس الناصرى فى الحكم، لأن ينقلب صراحةً على فكر ومنهج ورؤية ٢٣ يوليو ١٩٥٢، فأعلن فى عام ١٩٧٤ ما يسمى بالانفتاح الاقتصادى الاستهلاكى الذى غازل الجماهير بمنتجات استهلاكية ترفيهية بعد حالة التقشف الاقتصادى والاجتماعى التى كانت بعد نكسة ١٩٦٧، تواكب ذلك مع بدابة حملة شرسة على كل المستويات لتشويه المرحلة الناصرية على المستوى الإعلامى والصحفى والفنى تحت ادعاء أن نظام عبدالناصر كان قمعيًا يسجن ويقتل ويعذب فى الوقت الذى يطرح فيه الإعلام الجنة الموعودة التى سيعيش فيها المواطن نتيجة لهذا الانفتاح الاستهلاكى حتى قال «إن الذى لا يغتنى فى عصرى لن يغتنى أبدًا».
أما الاتجاه الدينى فيتمثل فى تيار الإخوان المسلمين، وفى تلك الجماعات الإسلامية التى أنشئت فى الجامعات بعد توسط عثمان أحمد عثمان لهذا التيار مع السادات، حيث إن عثمان كان نسيبًا للسادات وبمساعدة محمد عثمان إسماعيل صاحب التوجهات الإسلامية خاصة بعد أن كان محافظًا لأسيوط التى كانت أهم قلاع التيار الإسلامي، كما أنه من المعروف أن السادات كان ذا نزعة برجماتية دينية تمثلت فى ارتداء العباية والذهاب إلى ميت أبوالكوم واستعماله فى الخطب الآيات القرآنية، وإطلاق ما يسمى بالرئيس المؤمن، فهذه النزعة الدينية المظهرية استُغلت من التيار السياسى الإسلامى أخطر استغلال، مما بذر بذور الصراع بين السادات والبابا شنودة الثالث خاصةً بعد واقعة الخانكة التى تم فيها حرق كنيسة غير مرخصة، وقيام مظاهرة من الكهنة فى الشارع بما مهد المناخ وأعد الأرض لمزيد من السيطرة للإخوان والجماعة الإسلامية التى بدأت تسيطر على الشارع كسلطة تلزم الجماهير بما تريد، هذا المناخ وهذه السلوكيات خلقت وأوجدت مناخًا دينيًا إسلاميًا انبهر به السادات واستغله ليواجه اليسار الناصرى والشيوعى وكل المعارضين للسادات ولنظامه البديل، لذا يمكن أن نقول إنه قد تشكلت نخبة جديدة قوامها الانتهازية السياسية واستغلال العاطفة الدينية المصرية، وكان فى المقابل ومنذ اللحظة الأولى النخبة الناصرية من القيادات والكوادر التى تربت فى الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعي، خاصة تلك النخبة التى تربت وأعدت فى منظمة الشباب الاشتراكي، كانت البداية ما يسمى بورقة أكتوبر التى أصدرها السادات عام ١٩٧٤، على غرار الميثاق الوطنى ١٩٦٢، كمحاولة منه لرسم إطار نظرى لسياسة الانفتاح الاقتصادي، هنا نستطيع أن نقول إن هذه النخبة والتى قد أعدت إعدادًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا فى الإطار التثقيفى والتنظيمى والعمل الجماهيرى كانت نخبة فريدة ومتفردة عن أشكال وأنواع النخب السابقة تاريخيًا نتيجة للظروف الخاصة والمعطيات السياسية والإعداد السياسي، خاصة أن إعداد هذه النخبة كان يعتمد على زرع حالة انتماء حقيقية للوطن حبًا وإيمانًا بهذا الوطن بعيدًا عن أى مصالح خاصة أو أى منافع ذاتية، ولا نسقط فى الإطار الموضوعى أن من هذه النخبة من لحق بقطار السادات ونظامه ممن وظفوا إمكاناتهم السياسية التى اكتسبوها من الاتحاد الاشتراكى والمنظمة لمصلحة نظام السادات وبشعارات جديدة وبديلة عن طريق تبوء مناصب سياسية، ولذلك بعد الإبقاء على الاتحاد الاشتراكى لا نستطيع أن نقول إن كوادره وقياداته كانت تتمسك بهذا الفكر وذاك الأسلوب السابق أيام عبدالناصر.
هذه نوعية من النخب المصرية التى لا يخلو منها التاريخ المصرى أبدًا، أما النخبة الحقيقية التى ظلت قابضة على جمر الفكر ومتمسكة بالمبدأ ومؤمنة بالتوجه هى التى شكلت المعارضة الحقيقية للسادات ونظامه سواء من تبقى منها فى بعض مواقع الاتحاد الاشتراكى أو من ظلوا فى منظمة الشباب الاشتراكى حتى تم حل الاتحاد الاشتراكى ومنظمة الشباب، فماذا حدث فى هذا الفترة؟ هذا ما سنتناوله فى المقال المقبل بإذن الله.