الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

«كوز السحلب وركوة النار وطقوس رمضان»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى مثل هذه الأيام من سنوات طويلة قبل أن تتغير ملامح القرية وتختفى منها «البيوت بالطوب اللبن»، كان الفقر هو الأمر الذى يجتمع عليه الجميع هو وركوة النار و«كوز السحلب» وزينة رمضان، تلك التى كنا نصنعها من «ورق الكراريس»، كان الآباء والأمهات يشاركوننا إعدادها، مجموعة تقص الأوراق ومجموعة تشبكها مع بعضها بـ«الغراء» قبل تطويرها ودمجها بالخيط، فى صحن الدار أو الحوش كانت هناك «حفرة» مرتبطة بالأجواء الرمضانية والتجمع حولها بعد تناول الإفطار وصلاة التراويح، المشروبات حول هذه «الركاوى» كانت حسب الحالة المادية للأسرة، فهناك من كان يشترى قرطاسا من الشاى والسكر من دكان الخالة «نور»، وهناك من كان يشترى من المدينة ببضع قروش «سودانى بقشره» لعمل سحلب على النار ويكون هذا من المحظوظين، كنا بعد ذلك نبحث عن مكان يكون فيه القمر ساطعًا لنلعب الكرة الشراب أو نطة الإنجليز حتى موعد ظهور عم «إبراهيم المسحراتي» فنمسك العلب الصفيح والعصى ونجوب معه القرية: «اصحى يا نايم وحد الدايم»، سنوات شعرنا فيها بدفء رمضان وروحانياته حتى مع دخول التلفاز لم يسرقنا من تلك الأجواء التى تربينا ونشأنا عليها، غير أن ثمة شيئًا ما حدث.. لا أعرفه.. شىء ما حدث فينا نحن كسر لدينا نشوة التجمع.. شىء ما أخفى منا الضحك والفرحة فباتت وكأنها أشياء معلبة نعلن عنها فى المناسبات، حينما أشترى فانوسًا لأولادى أشفق عليهم فبرغم تغير الحالة المادية لأهل القرى برغم الكهرباء والأبنية والشقق الفاخرة برغم السيارات والملابس الأنيقة ليست هناك سعادة كتلك التى كانت تحلق فوق رؤوسنا حول ركوة النار، خطف الزمان منا ونسا وأناسا وحبا وأحبابا، لا أعرف لماذا أتذكر اليوم كلمة عم «جاد»، وهو يحادثه صديقه بعد صلاة التراويح فيقول: «الموت ما بيجيش فجأة الموت مراحل وإحنا مش حاسين كل يوم بتموت فينا حتة، مع موتة حبيب أو صاحب أو حتى مكان عيشنا فيه أو شجرة زرعناها».. لكن وبرغم ذلك أنا أتمسك بالحياة وأدعوكم أن تتمسكوا بها لذا قررت هذا العام أن أعيد صنع زينة رمضان من الأوراق، وأن أخلع من حوش بيتنا «بلاطة» وأحفر «ركوة» واشترى «سودانى مقشر للأطفال وأجمع حولى الفقراء فهم أشد الناس احتياجًا للسعادة ولفرحة «السحلب».. هم أشد الناس حاجة لنفحات رمضان.