الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

عزيز فهمى.. أسطورة تحت القبة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحتفل العمال من خلال التنظيم النقابى بعيدهم.. ونسوا الشخصية التى كانت السبب فى اعتبار هذا اليوم عيدًا وطنيًا فى مصر.
يحتفل التنظيم النقابى وهو جزء من الحركة العمالية ويتم اليوم تكريم المتميزين بتوزيع الأوسمة والأنواط عليهم ولم يضعوا على رأس القائمة من يستحق التكريم للمرة الأكثر من الخمسين عيدًا مضت.
لا أتصور من خلال معايشة للطبقة العاملة وللحركة النقابية أن هذه الشخصية سقطت عمدًا أو سهوًا لكن هناك اعتبارات سياسية ليست لها مبرر تذكر بالعرفان.
هذه الشخصية التى أصدرت قانون الحركة النقابية. هذه الشخصية التى دافعت عن الحركة العمالية. هذه الشخصية التى أرست مدرسة حديثة فى الفقه لصياغة تشريع متحضر لعلاقات العمل وسط معارضة عنيفة من القوى الرأسمالية.
هذه الشخصية الذى اعتبره (جيفارا) الحركة الوطنية. هذه الشخصية التى ألقت من فمها الملعقة الذهبية لكى تبحث عن طبق الصاج المدهون لتتناول فيه مع البسطاء الفول والطعمية.
هذه الشخصية التى بدأت بمنهج استثنائى فى ممارسة حياته العلمية منذ نعومة أظافره فعندما التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة لم يكتف بهذا القدر من العلم بل دفعه طموحه أن يجمع بين دراسة الحقوق والآداب معًا، لكن المشكلة فى مواعيد الامتحانات فتوجه إلى عميد كلية الآداب الدكتور طه حسين الذى شرح له موقفه وأعجب عميد الأدب العربى بإصرار الطالب فلم يذهب لكى يطلب إليه تخفيفا من المنهج فى أيام الامتحانات أو الاعتماد على (فراسة التنشين) على الأبواب المهمة للحصول على التقديرات، لكنه ذهب يطلب المزيد... ولأول مرة يقرر عميد كلية الآداب -أمام هذه الرغبة من هذا الطالب الغريب فى قدراته - تعديل الجدول لكى يكون بعد الظهر وفى الأيام الأخرى (البينية) فى امتحانات الحقوق حتى يتمكن من الحضور.. وفعلًا كان هذا الطالب الباحث عن المتاعب العلمية كان يدخل الامتحان فى التاسعة صباحًا ثم يقضى فترة استراحة فى كلية الحقوق وبعدها يتوجه إلى كلية الآداب لكى يؤدى الامتحان وظهرت النتيجة المبهرة... إن عزيز فهمى حصل على تقدير امتياز وجيد جدًا بكل كلية فى وقت واحد.
هذه مقدمة تعكس أن هذه الشخصية العنيدة الممنهجة تخفى وراءها قدرات علمية مبشرة وتقدم للدراسات العليا بحقوق القاهرة وحصل بمرتبة الشرف على درجة الدكتوراه وقتها، كانت هذه الكلية هى كلية الوزراء وهو مؤهل علميًا لهذه المسئولية لكنه اختار المحاماة فكان المحامى عن المناضلين وأبطال المقاومة للاحتلال ووهب نفسه لهذه القضية وفتح مكتبه بأوسع الأبواب لقضايا العمال وجاءت الانتخابات العامة وقرر الوفد عام ١٩٥١م أن يختار مجموعة من الشباب لكى يخوضوا تلك الانتخابات على سبيل التجربة ولم يلتفت إليهم بالدعم لأنه يعرف أنه سيفقد تلك المقاعد منهم إبراهيم طلعت بدائرة كرموز ثان بالإسكندرية ورفيق الطرزى ومحمد بلال بمحافظة كفر الشيخ وحافظ شيحا وخاض عزيز فهمى هذه التجربة رغم أن الجهد الذى يبذله على حساب صحته لكنه اختار دائرة (الجمالية) لسبب غير مفهوم رغم أن قاعدته الطبيعية فى الغربية حيث الثقل الأسرى فرفض أن يلجأ إلى هذا وخاض معركة تاريخية واستطاع من خلال الخطب أن يلهب مشاعر الجماهير التى التفت حوله واشتعل الموقف السياسى هناك وفاز عزيز فهمى بالأغلبية الساحقة ودخل البرلمان وكون مع مجموعة الشباب (لوبي) أقلق مضاجع الحكومة رغم أنهم ينتمون إليها حزبيًا لكنه شكل مجموعة أبرزهم إبراهيم طلعت وأشعلوا المجلس وألهبوا حماس النواب واعتبروا أن قضيتهم الأولى هى الحرية وضماناتها واستقلال القضاء، ورغم هذا الانتماء الحزبى لكنه كان أعلى صوتًا من المعارضة المحدودة.
وقف لمدة ٦ ساعات يهاجم مشروع قانون مقدم من الحكومة لتحديد اختصاصات مجلس الدولة لأنه يصدر أحكاما بإلغاء القرارات الحكومية لأنها تخالف الدستور والقانون ووصل الأمر إلى المراسيم الملكية، ووقف عزيز فهمى يفند مواد المشروع ويوضح تحت القبة عيوب هذا التشريع من الناحية الفنية والصياغة والمدلول، وهو أول من أطلق عبارة التشريعات سيئة السمعة تحت القبة قبل الثورة وثانى من استخدم هذا المصطلح للأمانة الفقية العظيم الدكتور جمال العطيفى وظهر الإعياء على عزيز فهمى لكنه يتكلم طوال هذه المدة وهى أطول مدة تحدث فيها نائب تحت القبة حتى هذه اللحظة، وكانت المنصة ممزقة بين الواجب الدستورى كرئيس للمجلس وهو العظيم الراحل عبدالسلام فهمى جمعة باشا وبين العاطفة الأبوية كان النائب الذى يشعل الدنيا وهو جالس على المنصة هو ابنه.. فقال له اسكت يا عزيز.. نستكمل فى جلسة قادمة... وهنا التقط عزيز فهمى الكرة من والده حيث شعر أنه استطاع أن يحقق هدفه وأن القاعة أصبحت ملكا له فرد على الفور على والده الذى كان يعتبر من عتادة السياسة وأعلامها فضلًا عن قدراته الدهماء أكثر من ابنه، لكن عزيز فهمى رد على الفور.. نعم أنت أبى لك على حق الطاعة لكن هذا الحق تملكه خارج هذه القاعة فأنا وأنت داخلها لا نملك إلا أن نطيع إرادة الأمة التى أجلستنا على مقاعدنا وانتصر عزيز فهمى وسحبت الحكومة المشروع.
قانون العيب فى الذات الملكية الذى وافق عليه مجلس الوزراء إلا أن لوبى الشباب من النواب جعلوا مجلس الوزراء يتراجع عن المشروع ولهذه القضية قصة كبرى لكن أذكرها مجرد عنوان كان بطلها عزيز فهمى وإبراهيم طلعت الذى وقف بكل شجاعة تحت القبة يعلن أن الدائرة التى يمثلها لن تخضع للحكم الملكى وهى استنساخ لدعوة النائب يوسف الجندى الذى أعلن جمهورية زفتى.
وفى إحدى الجلسات اكتشف النواب غياب عزيز فهمى وتصور الزملاء أنه مريض واكتشفوا فيما بعد أنه اختفى وتوجه إلى خط القناة لكى يحارب الإنجليز صفًا واحدًا مع لواء الجامعة الذى سافر للقناه وترك موقعه على الجبهة لكى يحضر قضية تخص أحد العمال البسطاء الذين فصلوا تعسفيًا فى الصعيد.. وفى العودة حدثت المفاجأة القاسية وهو انقلاب سيارة عزيز فهمى فى النيل الذى طالما استخدم قدراته الأبية للتغنى بجمال النيل وعظمته وإسهامه فى بناء الحضارة المصرية وهناك قصائد سعر لعزيز فهمى عن النيل.. كانت أمنيته أن يحتضن النيل واستجابت السماء لدعوته ومات فى حضن النيل لكن الظروف غامضة حتى يومنا هذا.. لكن المصادفة أن نصير العمال غرق فى النيل وتحديدًا فى أول مايو!