الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

موسيقى "كريستوف فون جلوك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«عندما عزمت على تلحين أوبرا مسرحية آلشستى – (Alcesteالتى كتبها يوربيدس)، قررت أن أجردها تمامًا من تلك المبالغات التى جلبها غرور المغنين الكاذب، أو تهاون المؤلفين الموسيقيين المفرط والذى كان سببًا فى تشويه الأوبرا الإيطالية منذ عهد بعيد. لذلك اجتهدت فى أن أقصر الموسيقى على موضعها الدرامى الحقيقي، وهو أن تخدم الشعر عن طريق التعبير وزيادة الاهتمام بالأسطورة دون تقاطع الحوادث أو تشويهها عن طريق زخارف عميقة جوفاء. لقد رأيت أن جهدى الأعظم ينبغى أن ينصرف إلى التماس البساطة الجميلة، وتجنب التظاهر بالتعقيد على حساب الوضوح. لذلك فإن الموسيقى التى سعيت – بقدر طاقتى – إلى جعلها طبيعية بسيطة لا تتجه إلا إلى التعبير عن معنى الشعر ودعمه إلى أقصى حد ممكن».
تُصور هذه الكلمات أساس النظرية الجمالية لملحن الأوبرا الألمانى «كريستوف فون جلوك» وتحديه لتقاليد الأوبرا الإيطالية الجادة، حيث خلق أسلوبًا جديدًا للأوبرا مبنيًا على المزيد من الواقعية الدرامية. درس «جلوك» الفلسفة والموسيقى والعزف على الكمان فى جامعة «براج»، وبلغ عدد الأوبرات التى ألفها سبعًا؛ وكانت أوبرا «أورفيو Orfeo» الأولى التى طبق فيها ما أسماه بـ «إصلاحات الأوبرا» وهى عمل سابق لموسيقى «فاجنر» الدرامية. كذلك حاول دمج الدراما بالموسيقى بعد أن كانت الأخيرة تصويرًا مرافقًا لها فحسب، وصار النص الأوبرالى – بعد جلوك – يُكتب لمؤلف موسيقى واحد فحسب. وقد كان «جلوك» حريصًا على إصلاح الأوبرا الفرنسية بتطهيرها من تفاهات الأوبرا الإيطالية ونقائصها الفنية، غير أن أنصار الأوبرا الإيطالية قاوموا محاولته هذه التى تهدف إلى القضاء على قوالبهم التقليدية.
وقد اكتسبت نظرية المحاكاة القائلة: «إن الفن تقليد للطبيعة» أهمية كبيرة فى الأبحاث الفلسفية فى القرن الثامن عشر – كما ذكرنا من قبل – حيث تأثر «جلوك» بمفهوم المحاكاة اليوناني، واعتقد أن الفن ينبغى أن يُصور الطبيعة والظواهر الطبيعية تصويرًا واقعيًا، وأن فى وسع الموسيقى – كأى فن آخر غيرها – أن تقوم بهذه المهمة. وفى هذا الصدد كان «جلوك» متفقًا مع الآراء الجمالية السائدة فى عصره، والقائلة إن الفنون يمكن أن يحل كل منها محل الآخر، وإن ما يمكن أن يعبر عنه أحد الفنون يمكن أن يعبر عنه الآخر. وقد انتهى – على أساس هذا المنطق – إلى أن فى استطاعة الموسيقى أن تصور الواقع تصويرًا دقيقًا عن طريق تجميل الكلمة المنطوقة حتى تعبر عن معناها بدقة. وإذا كان «روسو» فى اهتمامه بالجانب النظرى أكثر من الجانب العملى فى الموسيقى، فقد أوضح الصعوبات الجمالية التى يتضمنها تحويل اللغة إلى أغنية والموسيقى إلى كلام؛ فإن «جلوك» – الذى كان موسيقيًا أكثر منه باحثُا نظريًا – قد بنى حركته الإصلاحية على إخضاع الموسيقى للنص. وكانت تلك طريقته الخاصة فى تقويم عيوب الأوبرا الإيطالية التى أتاحت للمغنين حرية استخدام الكلمات أو تغيير المقاطع من أجل زيادة التأثير النغمي. وكان يعتقد أن الأداء الأمين للنص هو الذى يضمن للموسيقى أن تكون طبيعية. لكنه عّدل موقفه الجمالى القائل إن الشعر له الأولوية وإن وظيفة الموسيقى هى تصوير البيت الشعرى وتأكيد معناه؛ فذهب إلى أن الموسيقى والشعر ينبغى أن يكونا سواء، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.