الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وداعًا للنقود

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دار حوار بينى وبين أحد الزملاء الاقتصاديين حول الكابوس الذى تعانى منه البنوك الكبرى حاليًا، إن هذه المؤسسات الكبيرة، التى طالما خرجت من الكثير من الأزمات المالية العالمية منتصرة وحدها، تعانى رعبًا كامنًا لا تعرف كيف ستتعامل معه، هذا الرعب هو «انقراض النقود». النقود هى أوراق البنكنوت ببساطة، هى «الفلوس».
إن المؤشرات التى تقود إليها حركة الاقتصاد كلها تصب فى المزيد من الميكنة والإلكترونية، ويمكن رصد أقرب تلك المؤشرات إليك بنظرة إلى محفظة جيبك: ستجد على الأقل بطاقة صرف آلى واحدة على الأقل، وإن كان الأغلبية يحملون اثنتين أو ثلاثا، وهذه البطاقات تحول النقد إلى نقاط تتحكم بها شبكات الحاسب الآلي، ليس بالضرورة أن ترتبط تلك النقاط بأوراق بنكنوت، بل يمكن أن تتحول لمعلومات، مجرد تسجيل لنقاط تعطيها لمنافذ البيع، فتسجل أنها حصلت عليها من خلال آلات تطبع بصمة إلكترونية على البطاقات وأخرى على الشبكات، هو أمر تفعله يوميًا من خلال التعامل بالبطاقات.
إن بعض الجهات الاقتصادية تجد عبـئًا ماليًا يتمثل فى الإنفاق على خامات البنكنوت وماكينات الطبع والعاملين عليها ونفقات نقلها وحراستها، لذا ستجد فى إلغاء النقد الورقى حلًا للكثير من مشكلاتها، حين يتعالى صوت مناهضى تحول النقود لنقاط إلكترونية بأن الشبكات الإلكترونية يتم اختراقها، يرد أنصار هذا الاتجاه بأن النقود الورقية أيضًا يتم السطو عليها، بل إن الآلية تسجل معلومات عنك فى كل خطواتك، فيمكن استرجاع تلك المعلومات ببساطة لاكتشاف الخلل ومحاولة إصلاحه، ففى الوقت الذى تزيد فيه القدرة على الاختراق لا بد أن تزيد معها منطقيًا القدرة على الحماية وضبط الاختراق.
لو عدنا بالزمن قليلًا سنجد صورة لعالم بلا نقود جزئيًا. ففى كتاب صدر لدكتور محسن أحمد الخضيرى عام ٢٠٠٠ م بعنوان «التمويل بدون نقود» قدم الكاتب صورة لحياة بلا نقود يعود بنا إلى عصر المقايضة فى كثير من جوانبه، ورأى أنها ليست أفضل الحلول لكنها مطروحة فى كل وقت.
ومن الحلول التى طرحها امتياز إنشاء المشروع الـ B.O.T مقابل خدمة الجمهور، فمؤسسة ما قد تأخذ أرضًا ويتاح لها التغلب على كل العقبات لإنشاء مشروع على الأرض دون أى دفع نقدى مقابل تقديم خدمات للمجتمع نظير رسم معين، ثم تتملكها جهة الإسناد بعد فترة، وكذلك طرح الكتاب حلًا آخر قدم مقايضة صريحة وأسماها حزمة الصفقات المتكافئة، وفيها يتم تبادل كل شيء دون نقود. هذا بالإضافة لمجموعة أخرى من الحلول تمثل مجتمعة صورة لحياة بلا نقود، رغم بدائيتها تكنولوجيًا أحيانًا، يدعو لها البعض حاليًا.
إذا نظرنا للأمر من نواحيه المختلفة سنجد أنه ليس سيئًا، فالمؤسسات الاقتصادية التى تعمل فى مجال النقد الورقى سيمكنها أن توجه عملها لمجال إدارته بكفاءة أكبر بعد أن يتحول لنقاط، أليست تجربة استقلال سيارات الليموزين بخصم نقاط من بطاقتك البنكية دون دفع أية نقود تجربة جميلة؟ إنها إدارة جديدة للنقد فى غيابه. على تلك المؤسسات أن تتجه نحو ذلك منذ الآن حتى لا يفاجئها غياب النقد. 
كما أن التحويل الإلكترونى للنقود سيلغى الكثير من ظواهر الحصول غير الشرعى على المال وأبسط صورها البقشيش المرتفع، إذ لا نقود «تكرمشها» فى جيب أحد، كما أن حركة النقاط يمكن مراقبتها ببساطة وستوفر من مصاريف إصدار وتداول الفواتير الورقية والإلكترونية إلى حد كبير. لو كان العالم مر بسباق التسليح بعد الحرب العالمية الثانية، ثم سباق الانطلاق نحو الفضاء بعدها، فإنه الآن ينخرط بكل قوته فى سباق المعلومات وسنتحول جميعًا بكل تفاصيلنا لمعلومات على شبكة فكيف لا تصبح نقودنا كذلك؟ أظننا سائرين نحو ذلك لا محالة، لكن يفصلنا عنه بعض الوقت لا أكثر.