كانت «حكا» موجودة منذ
بداية الكون والخلق، وهى القوة الغامضة التي استعملها الإله فى عملية الخلق وكانت
هذه القوة تتمتع بمكانة مقدسة منذ العصور القديمة، حتى إنها دائما نجدها جنبًا إلى
جنب مع أعظم الآلهة، حتى إن الإيمان بهذه القوة كانت تسبق الإيمان بالآلهة، ففي
المراحل الأولى لتطور الأديان فى كيمت «مصر»، عندما كانت الآلهة مجهولة للبشر، ولم
تكن قد اتخذت هيئاتها وأسماءها واكتسبت صفاتها التى عرفت وعبدت بها وتجسد فى
المعابد، كان الإيمان بالحكا موجودًا. فالمصريون لم يكن لديهم كتاب مقدس واحد
يحتوى عقيدتهم ومفهوم الدين لديهم بل إن اللغة المصرية لم تحوِ كلمة تعنى «الدين»،
فكانت هذه القوة السحرية الغامضة «حكا» هى أقرب كلمات فى اللغة تعنى مفهوم الدين،
وعندما ظهرت النظريات الدينية، واحتلت الآلهة مكانتها المقدسة، نشب صراع بين بعض
تلك الآلهة وبين «حكا» حول أسبقية الوجود الأزلي.
ففى أحد النصوص القديمة
نجد «حكا» يقول مدافعًا عن مكانته فيقول: «إني هذا الذي أحيا التاسوع الإلهى، إنى
هذا الذى يفعل ما يشاء، أبوالأرباب، كل شىء ملك لى، قبل أن تنشئوا أنتم أيها
الأرباب التى جاءت بعدى، إنى أنا السحر».
وقد امتلكت الآلهة هذه
القوة السحرية وقاموا باستخدامها. ورغم ذلك لم تكن حكرًا على الآلهة والملوك فحسب،
بل كان يمتلكها بعض الناس أيضًا: مثل السحرة، الذين يفترض أنهم كانوا يقومون
بأفعال خارقة لا يستطيع فعلها سوى الآلهة.
وعندما كان يستحوذ أحد
السحرة على قدر من هذه القوة أكثر من ما يمتلكه رب من الأرباب، وقتها يستجيب هذا
الرب لأمر الساحر، ويصبح مسخرًا لخدمته وتلبية ما يطلبه منه، والإله وقتها لا يجبر
على التخلى عن استقلاليته، ويفرض عليه من قبل الساحر بعض الأعمال المشتركة معه.
أما الكهنة فكانوا يتلقون
السحر فى المعابد، ويأخذونه من البرديات المودعة بمكتبات المعابد «بيوت الحياة»،
وكان لا يؤذن للسحرة بانضمام تلميذ جديد فى مدارسهم إلا بعد تأهيل صعب وطويل يتم
فيه تطبيق رياضات روحية لتطهير النفس ومقاومة الشهوات والامتناع عن بعض الأطعمة
وعن ملاذها وعن كل ذي روح، حتى تنقى وتصفو مداركهم ووعيهم بهذه الرياضات الروحية،
كما كانوا يقومون بقهر النفس عن شهواتها بالبعد عن العالم فى خلوات يعدونها لذلك
وبعد الوصول إلى مرحلة النقاء الروحى والنفسى واجتياز كل هذه العقبات، لا يسمح
للتلاميذ بنشر علومهم أو ممارسة السر إلا بعد تدريب طويل بين أيدي السحرة الكبار
والكهنة حتى يقر لهم من قبل الكاهن الأعظم حرية ممارسة هذا الفن والسحر. وكان يلقب
الملك نفسه برئيس السحرة.
والمتلقى لا يتم تلقينه
بتلك العلوم ولا يحوز لقب «شرحب»، الذى يمنح لمن علم بعلوم على الكتب الربانية،
إلا إذا تم اختباره أمام الفرعون وأقر الفرعون بكفاءته، وكان يشترط أن يكون من
أبناء الملوك أو الأمراء.
وكانت هناك طبقة الثانية
من السحرة ينتمون إلى الطبقات الشعبية الدنيا. وكانت مهمتهم فى الغالب الحماية ضد
الحيوانات والكائنات الخطرة والتنبؤ بالمستقبل، كما كان يستطيع درء الأذى عن نفسه
أو عمن يلوذ به وعمن يشاء حفظه من الضرر ولو بعيدًا عنه ولا يستطيعون ممارسة السحر
إلا بعد تصريح من كهنة المعابد وجزاء من يخالف هذا العقاب الشديد. أما من يمارسون
ما نعرفه الآن بالسحر الأسود أو السفلى فكانت عقوبتهم الإعدام.
ويشترط على من يريد
ممارسة السحر النورانى أن يكون على طهارة تامة فى ثوبه وبدنه لمدة تسعة أيام
متتالية، وأن يغتسل بمياه الفيضان ويطهر فمه بالنطرون، وأن يدهن جسده بأنواع
الزيوت، ويضع البخور خلف أذنيه، ويرسم على فمه بالحبر الأخضر علامة «ماعت» ربة
العدل والحق، وأن يرتدى حذاءً من الجلد الأبيض، ثم يقوم برسم دائرة حوله لا يسمح
له بالخروج منها طوال ممارسة الطقس السحرى عاكفًا على الرياضات الروحية حتى يصل
لما يريد. وكانوا يلتزمون بعدم ممارسة الجنس فى المعبد طوال ثلاثة شهور كل عام.
كما كان محرمًا عليهم أيضًا أكل السمك والبصل وأيضًا ارتداء ملابس من جلود
الحيوانات.
وللحديث بقيه عن السحر فى كيمت وكتب السحر إلى وصلنا إليها من خلال الكتابات على جدران المعابد ونصوص الأهرام.