نستكمل فى هذا المقال ما بدأناه فى الأسبوعيْن الماضييْن من خلال استكمال التعقيب على جلسة البحوث الأولى بالمؤتمر العلمى الرابع للمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق المعنونة: «منهجية التكامل المعرفى والتداخل النظرى والمنهجي»، حيث عُرِضَت فى هذه الجلسة المتميزة سبعة بحوث لباحثين من جامعات مصرية وعربية مختلفة.
البحثُ الرابع الذى قمتُ بالتعقيب عليه فى هذه الجلسة التى رأسها د.حسن عماد مكاوى عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة الأسبق، هو البحث المقدم من د.طارق الخليفى المدرس بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعنوانه: «تنقيب بيانات وسائل التواصل الاجتماعى واستخداماتها فى البحوث الإعلامية: تحليل المشاعر نموذجًا».
وتتمثل الوظيفة الرئيسة لتحليل المشاعر فى تحديد ما يفكر فيه الناس، واستخلاص وجهات نظرهم حول موضوعات معينة باستخدام التكنولوجيا، إذ يقلل تحليل المشاعر بشكلٍ كبير الحاجة إلى مسح أعداد كبيرة من المستندات لاستخلاص الآراء. إن تحليل المشاعر باختصار عبارة عن تقنية تسعى إلى مواجهة التحدى المتمثل فى تحديد معلومات ذاتية واستخراجها من كميات كبيرة من البيانات غير المنظمة من خلال الجمع بين تقنيات استخراج البيانات وتعلم الآلة ومعالجة اللغات الطبيعية واسترجاع المعلومات وإدارة المعرفة. ويشير استخراج الرأى إلى مهمة إيجاد آراء الأشخاص حول كيانات محددة باستخدام اللغويات الحاسوبية ومعالجة اللغات الطبيعية لتحديد المعلومات الذاتية واستخلاصها من النصوص المصدر، ويهدف تحليل المشاعر إلى تحديد قطبية الفرد فيما يتعلق بالحكم أو الحالة العاطفية، ويستخدم للتحليل الآلى للنصوص والموارد التقييمية وغالبا ما ينظر إلى استخراج الرأى وتحليل المشاعر على أنهما مترادفان ويعبران عن معنى متبادل أيضًا.
وقلتُ إن هذا البحث يُعد من أهم وأخطر البحوث المقدمة لهذا المؤتمر، لأنه يشير إلى إمكانية تحليل المشاعر الإيجابية والسلبية (تحليل عام) وتحليل العواطف المتمثلة فى الإعجاب والحب والحزن والسخرية والدهشة (تحليل أكثر عمقًا) على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويستهدف تحليل المشاعر والعواطف على السوشيال ميديا رصد مشاعر الناس الإيجابية والسلبية، وكذلك تعاطيهم العاطفى تجاه الموضوعات والقضايا والأشخاص، وهى مسألةٌ جد خطيرة، لأن مثل هذا النوع من التحليل يمكن من خلاله رصد ظواهر مجتمعية مهمة، والأسوأ من ذلك هو إمكانية قيام جهاتٍ معينة بإمكانية التحكم فى هذه الظواهر باكتشاف محفزات وجودها والعمل على تفاقمها.
إن آلية تحليل المشاعر والعواطف من خلال استهداف بيانات ضخمة خاصة بدول أو مجتمعات معينة تمكن شركات محددة ودول بعينها من جمع معلومات وبيانات وخصائص الشعوب ومشاعرها الإيجابية والسلبية وعواطفها تجاه الأشخاص والقضايا وهو ما يؤدى إلى اكتشاف الأسباب الدافعة إلى مثل هذه المشاعر الإيجابية أو السلبية، وهو ما يؤدى فى النهاية إلى إمكانية قيام بعض الدول بإدارة المِزاج العام فى دولة أخرى أو مجتمع معين Mood Management، وهو ما قد يساعد على توجيه هذا المجتمع للخروج على النظام العام، أو تكوين اتجاه سلبى نحو قيادته وحكومته، بل ويمكن استغلال ذلك فى بث مشاعر الإحباط والاكتئاب فى هذا المجتمع لتدميره نفسيًا من الداخل، وهو قمة الحروب النفسية الحديثة فى عصر شبكة الإنترنت والسوشيال ميديا.
وطرح د.مبارك الحازمى الأستاذ بكلية الاتصال والإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بالمملكة العربية السعودية فى ورقته البحثية الرصينة المعنونة «الإعلام وأزمة التحولات الدولية الراهنة وتداعياتها» عديدًا من القضايا والإشكاليات الجديرة بالبحث والدراسة، مثل الإعلام والإرهاب ومنهجية التكامل المعرفى، والإعلام والعولمة وأزمة تهجين الهوية، والإعلام وإدارة أزمات تفكيك الدول والتعويم التاريخى للمجتمعات، والإعلام ومستقبل السيادة الوطنية للدول، وكلها قضايا مهمة وإشكاليات كُبرى فى حاجة إلى مناقشة متعمقة لاستجلاء أبعادها المطروحة وأبعادها الأخرى الجيوبوليتيكية والاقتصادية والنفسية والسسيولوجية للشعوب والمجتمعات والدول.
ثم طرح د.أحمد فاروق رضوان أستاذ العلاقات العامة بكلية الاتصال جامعة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة دراسته المهمة «إدراك المتعاملين لفاعلية الموقع الحكومى الإلكتروني. واستهدفت الدراسة قياس فاعلية توظيف محتوى الموقع لتحقيق الهدف من إنشائه، وفى التواصل مع المتعاملين، ومدى سهولة استخدام الموقع، والملاءمة والتى تُعنى بقياس توافق شكل ومحتوى الموقع مع طبيعة المنظمة الحكومية وهويتها.
وتُعد هذه الدراسة دراسة تجريبية مهمة تم خلالها بناء موقع إلكترونى حكومى تم تصميمه من حيث الشكل والمحتوى من نسخة ضابطة وثلاث نسخ تجريبية، وإجراء اختبار مقياس من خمسة عناصر لقياس إدراك كل مجموعة لجودة الموقع.
وقلتُ إنه كان من المفيد لهذه الدراسة أن تقوم بشكلٍ مسبق بدراسة استطلاعية على المتعاملين المحتملين مع الموقع الحكومى بغية التعرف على متطلبات ودوافع استخدام الجمهور للموقع الحكومي، وذلك لتضمين هذه المتطلبات فى تصميم الموقع ومحتواه وأدواته التفاعلية. كما ذكرت أنه كان من المفيد تبنى مدخل «يُسر الاستخدام» Usability لقياس مدى يسر استخدام الموقع بالنسبة لجمهور المتعاملين معه.
وفى نهاية الجلسة عرض د.رامى عطا صديق أستاذ الصحافة المساعد بالمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق ورقته البحثية المتميزة «التحليل التاريخى النقدي: نحو تجديد مدخل قديم فى بحوث الصحافة»، واستهدفت هذه الدراسة تطوير استخدام مدخل التحليل التاريخى النقدى فى بحوث تاريخ الصحافة عبر قراءة تحليلية نقدية مقارنة لعددٍ من الدراسات التى أُجريت حديثًا فى مجال تاريخ الصحافة، وذلك بُغية التوصل لرؤية شاملة تنتهج مبدأ التكامل المعرفى تأخذ فى الاعتبار السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتشريعية والتكنولوجية، حيث تفتقر معظم الدراسات لوضع هذه السياقات فى الاعتبار مما يوقعها فى تقاطعات شديدة التعقيد مع الواقع المُعَاش، وهو ما لم يكن مطروحًا على الإطلاق عند دراسة الظاهرة التاريخية.
وقد أبديتُ إعجابى الشخصى بالباحث الدكتور رامى عطا صديق الحائز العام الماضى على جائزة المواطنة من المجلس الأعلى للثقافة لاهتمامه بتاريخ الصحافة، رغم أن كثيرًا من الباحثين الشباب يعزفون عن خوض غِمَار هذه الفروع من فروع الدراسات الصحفية رغم أهميته.
وقلتُ نحن فى حاجة إلى تضافر جهود الباحثين مع جهود د.رامى لإجراء عديد من البحوث التى تتناول الظواهر الصحفية التاريخية والفترات المنسية والشخصيات الصحفية التاريخية التى لم تجد حظها فى الدراسة والتمحيص. وأعتقد أن ما كانت تقوم به مكتبة الإسكندرية فى سلسلة «ذاكرة مصر المعاصرة»، والتى صدر فيها مجلدان متعلقان بمدرسة «أخبار اليوم» ومدرسة «دار الهلال» الصحفية، وكذلك ما كان يقوم به أستاذنا الراحل العظيم د.يونان لبيب رزق فى سلسلته الرائعة «الأهرام ديوان الحياة المعاصرة» يمكن أن يتم إحياؤه بجهود د.عطا وأمثاله لكى يتم إنتاج عشرات المجلدات التى تنقب فى تاريخ الصحافة المصرية التى تُعد توثيقًا للتاريخ المصرى المعاصر.