الخميس 24 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة القبطية

القس سهيل سعود يكتب: أسبوع الآلام

القس سهيل
القس سهيل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بولس: «يسوع المسيح وإياه مصلوبًا»، بعد مرور ثلاث سنوات على تأسيس الرسول بولس لكنيسة كورنثوس، وغيابه عنها كل هذه الفترة، كتب إلى الكنيسة مذكّرًا أعضاءها بالغاية الأساسية من تأسيسها. فقال لهم: «لأنى لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم، إلا يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا». بولس أراد من أعضاء الكنيسة، أن يختبروا يسوع المسيح فى حياتهم، ليس معلمًا، أو حكيمًا، أو نبيا، أو صانعًا للعجائب، وإنما، مصلوب على صليب الجلجثة لأجل فدائهم. حَرِص بولس على التذكير بهذا الهدف الأساسى من وجود الكنيسة، لأنه دخلها بعض الأعضاء الذين، مالوا عن الهدف، وتزاحموا على: السلطة، والمراكز، والمكانة الاجتماعية، فسبّبوا انقساما ونزاعات فى الكنيسة. لقد استندوا فى لهثهم وراء السلطة، إلى ما أسماه الرسول بولس: الحكمة الإنسانية، والفلسفة، وسموا الكلام، لتعزيز وجودهم ودورهم فى الكنيسة. صنّف المتصارعين فى الكنيسة إلى صنفين: صنف أسماه «الهالكين»، وصنف آخر أسماه «المخلّصين». وقد وضع المقياس لتصنيفه هذا، فى كيفية النظر إلى صليب المسيح. قال بولس لأعضاء كنيسة كورنثوس، «فإن كلمة الصليب عند الهالكين، جهالة. وأما عندنا نحن المخلّصين، فهى قوّة الله» (1 كورنثوس 1: 12). فالذين رأوا فى الصليب: جهالة، وضعهم فى خانة «الهالكين». والذين رأوا فى الصليب قوّة الله، وضعهم فى خانة «المخلّصين». 
عرّف بولس مجموعة الهالكين، الذين تأثروا كثيرا، بالحضارة والبيئة اليونانية، التى نشأت فيها كنيسة كورنثوس، والتى تشدّد على: الحكمة، والمعرفة، والفلسفة. فتلك الحضارة، ولا تزال معظم حضارات بلدان العالم اليوم، تعطى امتيازًا كبيرا، وقوة فى المجتمع: للمتعلمين والمثقفين، للفلاسفة والحكماء. راقب بولس مجموعة المتعلمين الهالكين، فرآهم يتبجحون، بسمو كلامهم، وحكمتهم الإنسانية المقنعة، مرجعين كل الفضل، ليس لله الذى منحهم امتياز المعرفة والحكمة، ولا لقوة عمله فى عقولهم وحياتهم، وإنما لأنفسهم وقدرة إنجازاتهم العقلية. هاجم بولس أولئك المتبجحين بحكمتهم الإنسانية، ورفض كل حكمة إنسانية، لا تأخذ بعين الاعتبار، وجود الله ومعرفة الله ومخافة الله فى الحياة. قال لهم «ألم يجهّل الله حكمة هذا العالم، لأنه إذ كان العالم فى حكمة الله، لم يعرف الله بالحكمة» (1 كورنثوس 1: 21 و22). أدرك بولس أن كلام الحكمة الإنسانية، والاتكال على قوة الإقناع البشرية، دون عمل الروح القدس لن ينفع شيئا. لهذا لم يعتمد بولس ذلك الأسلوب البشري، الذى اعتمده مجموعة الهالكين. بل على العكس رأى أن ذلك الأسلوب، يعطّل معنى الصليب، بل يفرغ الصليب من معناه الحقيقي، كما قال،«لا بحكمة كلام لئلا، يتعطل صليب المسيح» (1 كورنثوس 1: 14).
ثم يذكرهم بولس بأسلوب الشهادة لله، التى أتى ليشهد بها فى وسطهم، فقال، «وأنا لما أتيت إليكم أيها الإخوة. أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة، مناديا لكم بشهادة الله. لأنى لم أعزم أن أعرف شيئا بينكم، إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا...وكلامى وكرازتي، لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المقنع، بل ببرهان الروح والقوة، لكى لا يكون إيمانكم، بحكمة الناس، بل بقوة الله». (1 كورنثوس 2: 1و2 و4). فالاعتماد فى الشهادة لله على الحكمة البشرية فقط، لن يوصل أبدًا إلى الإيمان، ولن يظهر قوة الله. لهذا، يقول بولس لهم فى كنيسة الماضي، ولنا كنيسة اليوم، يجب الاعتماد دائما على برهان وقوة الروح القدس.
إن المشكلة الرئيسية التى رآها بولس فى مجموعة الحكماء الهالكين، هى فى نظرتهم إلى صليب المسيح. لقد نظرت تلك المجموعة من أعضاء الكنيسة، إلى صليب المسيح، كما نظر إليه، اليونانيون واليهود، الذين استخدموا الصليب كأداة لمعاقبة المجرم. قال بولس، «لأن اليهود يسألون آية، واليونانيون يطلبون حكمة. ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا، لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة» (1 كورنثوس: 22-32). اليهود واليونانيون إلى الصليب: كعثرة، كجهالة، كلعنة، كإهانة وفضيحة، كمدعاة للعار والخزي، كرمز للحماقة. لم يروا فى صليب المسيح أية قيمة إيجابية. ومشكلتهم بنظر بولس، أنهم لم يدركوا أنه كان لله حكمة وراء الصليب، قال يجب ألا تنسوا، أنه بموت المسيح، ظهرت قوة الله وحكمة الله (1 كورنثوس 1: 24). لم تعرف تلك المجموعة، أن موت المسيح، أعطى معنى روحيا جديدًا للصليب. فالحكمة الإنسانية، أعمت عيونهم وأظلمت قلوبهم عن رؤية معناه الصحيح، معنى أن يعلق المسيح على خشبة الصليب، ويقدم دمه وحياته من أجل فدائنا وغفران خطايانا، كيما بموته يكون لنا حياة ويكون لنا أفضل. نعم: المعنى الروحى الجديد للصليب، لا ولن يدرك إلا بالإيمان والتوبة، والتجاوب مع رسالة الإنجيل. 
أما مجموعة «المخلّصين»، فيصفهم بأنهم الذين اختبروا قوة المسيح على الصليب. تلك الفئة نظرت إلى التغيير الذى أجراه المسيح فى معنى الصليب، بعد أن علّق وسفك دمه عليه لأجلنا. فالمصلوب أزال المعنى السابق القديم. لم يعد الصليب، كما كان سابقا، رمزا للعار والخزي، وأداة لمعاقبة المجرمين، بل بموته على الصليب، جعله المصلوب، أداة لفداء وخلاص الذين يؤمنون به. على الصليب، صلب المسيح خطايا العالم. لهذا، لم يعد الصليب بالنسبة لمن اختبر غفران المسيح، جهالة، ولا حماقة، ولا إهانة، ولا فضيحة، بل صار قوة الله. كما قال بولس «فبالمسيح، قوة الله وحكمة الله» (1 كورنثوس 1: 24). لم يقصد بولس فى ذكره الصليب، فقط حادثة الصلب التى حدثت يوم الجمعة العظيمة، لكنه قصد كل قصة الخلاص، التى تضمنت موت وقيامة المسيح. فقوة المسيح لم تظهر فقط فى موته، وإنما وبشكل مميز، بارتباطها بقيامته من القبر. لهذا لا نستطيع أن نتكلم عن الصليب دون ارتباطه بالقيامة. فالذين اشتركوا روحيا فى موت وقيامة المسيح، أدركوا واختبروا وعرفوا قوة الله، فى تغيير الحياة وتجدد الذهن. بعد إدراك الرسول بولس لحقيقة المعنى الروحى الجديد للصليب، صار الصليب فخره ومجده، قائلا، «وأما من جهتى أنا فحاشا لى أن أفتخر إلاّ بصليب ربّنا يسوع المسيح الذى به صلب العالم لي، وأنا للعالم» (غلاطية 6: 14).