منذ أن انتقلت من مكان عملى القديم إلى الجديد وأنا أتصرف بنفس الأسلوب، الذى اتخذته كروتين يحدد حياتى بدءا من شكل ملابسي، وتعاملاتى مع الزملاء والطلاب وأولياء الأمور. كل ما يخصنى تحديدًا كموظف فى دولة، يعرف حقوقه القانونية التى لا يليق بنا أن نتسولها أو نهملها أو نسمح لأى شخص أن ينتهكها فى مواقف تمسنى بأى حال. وربما انتفضت لانتهاكها أمامى فيما يخص دولاب العمل الذى أنا جزء منه. كنت أفعل ذلك لسنوات طويلة ومازلت، بل زاد حرصى بعدما مررت بالعديد من المواقف، التى ربما يريحنى أن أنوه عنها فقط؛ لأننى على يقين من تكرارها فى أماكن أخرى ومع أناس آخرين، ولأن هناك كثير من الشخصيات التى لا بد أن نشير إلى تصرفاتهم معنا ونقول لهم «لقد آذيتمونى بمحبتكم، والله العظيم فخذوها واتركوا لى احترام الاختلاف وحرية الآخر، طالما لم أقدم لك ما يؤذيك أنت شخصيًا»، حينما أتقبلك كما أنت كشخصية لها كيانها وحريتها، سلامتها العقلية لا أتنمر بك فأسخر منك أو أنشر عنك الشائعات أو أثير الآخرين ممن حولك ضدك أو أشكل تكتلا من الرافضين، الذين لا هم لهم سوى كسرك ولا أسدى لك نصحًا، باعتبارى أملك الكمال والحقيقة وأمسك بمازورة الأخلاق والأدب؛ أقيس بها نغمة الصوت وشدة ارتفاعه ودرجة حرارة الكلمات التى أتفوه بها، كم فهرنهايت مسموحًا بها لكلمات المرأة، وكم درجة للرجال فى نفس الموقف وبنفس الأشخاص، الفرق فقط هو كونك أنثى أم ذكرا، أتذكر أننى ما إن وطئت بقدمى مكان عملى الجديد حتى استقبلتنى البشائر وقابلتنى قلوب طيبة رحيمة رقيقة مهذبة- هكذا والله العظيم- قلوب تخاف على وتتمنى لى أن أكون أفضل، لأنها بدافع من حنانها ومحبتها «مستخسراني» – ولك أن تتخيل عزيزى القارئ فحوى الخسارة ومعناها، الذى لا يخرج عن انتقاد ورفض تام ناتج عن اعوجاجك، الذى يريدون تقويمه؛ لتدخل ماكينة القولبة وتخرج وفق الكتالوج لتكون واحدًا منهم، كان جل اهتمامهم، هو تصحيح وجهة نظرى فى الحياة وإعادة تربيتى وتشكيلي، بدس أنوفهم فى طريقة تعاملى مع الآخرين من الزملاء بمراكزهم المختلفة. والدعوة إلى عدم لبس البنطلون الذى ارتدته بناتهم بعد ذلك بسنوات، أو متابعة خصلة من الشعر الساقط من تحت الإيشارب لضمها مع إخوتها من جديد أو الحديث خلف ظهرك عن صورتك بلا حجاب فى إحدى المجلات أو على شاشة التليفزيون، فى دور آخر من أدوراك فى المجتمع ككاتب أو شاعر أو فنان، كان الأهم من كل ذلك هو أن تتبع قانونهم العام، أن تضبط تردداتك وفق ترددهم لتسمع صوتهم صوتا واحدا خارجًا من راديو إلى مستمعين تم اختزالهم فى فرد واحد هو أنا، لا يحضرنى الآن الكثير من المواقف المؤلمة؛ لكننى أبدًا لا أنسى رفضهم لترقيتى كمشرف مادة دراسية، لمجرد أنهم يريدون زميلة أخرى أكثر انسجامًا معهم، لكن الفارق بيننا كان يومًا أسبقها به فى تاريخ التعيين، لا أنسى رفضهم حضور الاجتماع جميعًا وتركى بالمكتبة أمام الجميع أغوص فى ماء الإهانة وشماتة البعض، بدم بارد مر الأمر وبسكين مثلومة قطعوا فرحك ورموه إلى الكلاب، وربما لا أنسى أيضا عملى فى وحدة التدريب ورفض البعض لتنفيذ ما عليهم من أعباء وظيفية لا يكتبون أى أوراق ولا ينفذون أية أنشطة بالشكل المطلوب منهم، والأهم هو طلبهم الدائم لى بتنفيذ التدريبات ورقيًا؛ لأننا بلد ورق، فما بالك بتصميمى على تنفيذ تدريب الإخلاء السريع والأمن والسلامة من الزلازل أو الحرائق أو تهدم أجزاء من المبني؟ كانت نظراتهم تقول كيف تقوم بتدريبنا امرأة، نفس المنطق الذى استخدموه حينما رشحت لأكون مديرًا حين انتفض البعض قائلًا «هو الشغل مفيهوش رجالة عشان مرة تبقى المدير؟!. أعرف أنهم جعلونى صلبة طويلة النفس أثناء المعارك، قوية بما يكفى لإخفاء قلبى الطرى ووجهى الطبيعى خلف قناع خشبى لذئب مستعد دائمًا للانقضاض، كما أعرف تماما أن نصف المعارك كان سببه غياب القانون والفوضى الإدارة الطرية التى لا تمتلك مقومات إدارية ناجحة أو موهبة، من هنا أتساءل وأعتقد أنكم ستشاركوننى التساؤلات، ماذا يكسب المنتقدون؟ والساخرون والمغتابون؟ ماذا تخسر المرأة حينما تحبط المرأة وماذا يكسب الرجل؟ ومتى سنتوقف عن النظر إلى بعضنا البعض لا أن ننتبه إلى ما بأيدينا من عمل، ينبغى أن نؤديه على أكمل وجه وكم منا يتساقط تحت ثقل تقاليد بالية فتتكسر روحه، فى الحقيقة أنا تعبت. فهل تعبتم أنتم أيضًا؟
آراء حرة
أنا تعبت فهل تعبتم أنتم أيضا؟
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق