الثلاثاء 07 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا تستهينوا بجناح الفراشة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ظهرت فى الخمسينيات من القرن الماضى فى الولايات المتحدة الأمريكية، نظرية باسم الدومينو.. والمقصود بها التأثير الصغير الذى يتسبب فى تغييرات مماثلة بجواره بالتتابع، بمعنى أنه فى حالة حدوث تغيير صغير سيتسبب فى تغيير مماثل بجواره، والذى بدوره سيحدث تغييرا مماثلا، وهكذا فى تسلسل خطى.. وقد تحدث الرئيس الأمريكى الأسبق أيزنهاور عن نظرية الدومينو فى خطاب شهير ألقاه عام 1954.. حيث تم تطبيق هذه النظرية على النظم السياسية، وكان المقصود بها فهم طبيعة التغيرات السياسية التى تحدث فى الدول آنذاك، والتأكيد على أنه فى حالة سقوط دولة فى منطقة معينة تحت نفوذ الشيوعية، فإن الدول المحيطة بها ستخضع لنفس النفوذ الشيوعى.. أو فى حالة ارتفاع أو انخفاض درجة الديمقراطية فى دولة معينة ينتشر ويعدى جيرانها، ومن ثم فإن التغيير داخل دولة ما يحدث تغييرًا مماثلًا فى الدول المجاورة لها، بما يشبه العدوى، وبنفس الطريقة التى تسقط بها أحجار الدومينو المصفوفة.
وتفترض هذه النظرية وجود قوة قادرة على زعزعة حالة الاستقرار القائمة بين مجموعة متجاورة من الكيانات المنتظمة فى ترتيب معين، وتفترض أنه بمجرد نجاح تلك القوة فى زعزعة استقرار أى من تلك الكيانات، تبدأ موجة من عدم الاستقرار تمس كل عناصر النظام، الواحد تلو الآخر، ومن شروط تحقق هذه النظرية أن تكون المسافة الفاصلة بين الكيانات المكونة للنظام متساوية، وأن تسقط بسرعة معينة، وأن يكون لدى الكيانات المكونة للنظام استعداد للتأثر بالموجة، وهو ما يشابه تأثير سقوط إحدى قطع الدومينو على القطع الأخرى التى تليها، وافترضت التجارب وجود مسافة قصيرة ومتساوية بين أحجار الدومينو وتساوى أحجام وكتلة تلك الأحجار، وأن التفاعل الوحيد بينهم هو التأثر بسقوط الأحجار السابقة لكل منهم فى الترتيب، ويفترض أنه فى حالة السقوط ستميل الأحجار كلها فى إتجاه واحد.. وفى إحدى التجارب تم وضع أحجار مختلفة الحجم بشكل متتال على مسافات واحدة، ولكنها بدأت بحجر صغير جدا أصغر من عقلة الإصبع، ثم تم التدرج فى حجم الأحجار حتى وصلت إلى حجر شديد الضخامة والثقل، وبعد إسقاط الحجر الأول الصغير للخلف، سقطت كل الأحجار بالتتابع، وبالتالى فقد تسبب الحجر الصغير جدًا فى إسقاط أشد الحجارة ثقلًا.. وهو ما يؤكد النظرية الأخرى التى تسمى أثر الفراشة، والتى تعد نظرية فيزيائية فى أصلها، ابتكرها إدوارد لوريتز عام 1963، لتفسير الظواهر الطبيعية والأحداث المتوالية التى تنتج عن حدث بسيط، لكنه يؤدى فى النهاية إلى سلسلة من النتائج والتطورات الكبيرة، مما يدل أن التغيرات البسيطة جدا يمكن أن تؤدى إلى تأثيرات ضخمة، فحركة بسيطة فى جزء من العالم يمكن أن تغير تاريخ الكون بأكمله، أو كما فسرها بعض العلماء أن حركة جناح فراشة قد يتسبب بعد سنوات فى فيضانات أو أعاصير، رغم انخفاض القدرة على التنبؤ بذلك، وقد تم تطبيق هذا المفهوم فى مجال الأمن والاستراتيجية، ومن أهم الأمثلة التاريخية على تطبيق هاتين النظريتين، ما حدث من أحداث عالمية كارثية نتيجة شعور شاب صغير فى صربيا بالظلم!!.. وهو الطالب غافريلو برينسيب ذو التسعة عشر عاما.. وقد بدأت الحكاية بضم البوسنة والهرسك إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية فى السادس من أكتوبر عام 1908، وهو ما خلق كثيرا من الاستياء لدى الشعوب السلافية لجنوب أوروبا، وفى سنة 1912 كانت صربيا متأهبة لحرب البلقان الأولى، فأراد الشاب برنسيب الانضمام إلى المجموعات العسكرية الصربية، ولكنه رُفض بسبب قصر قامته فشعر بالظلم وحاول إثبات نفسه من خلال القيام بعملية شجاعة من وجهة نظره، يؤكد بها لمن رفضوه أنه ليس أقل منهم قوة، ووجد الفرصة أثناء زيارة ولى عهد النمسا الأرشيدوق النمساوي/فرانز فرديناند وريث عرش الإمبراطورية النمساوية المجرية، وزوجته صوفى دوقة هوهنبيرغ إلى سراييفو، وتجولهم بسيارة مكشوفة فقام باغتيالهم، وهو ما أدّى إلى إعلان النمسا الحرب على صربيا.. ثم غضب روسيا وأعلانها الحرب على النمسا.. ثم تضامن ألمانيا مع النمسا وإعلانها الحرب على روسيا..لتغضب فرنسا وتعلن الحرب على ألمانيا، فتدخل ألمانيا أراضى بلجيكا فى حربها على فرنسا.. فتتحالف بريطانيا وبلجيكا ضد ألمانيا، التى تساندها الدولة العثمانية وتعلن حربها ضدهما.. فتغضب الولايات المتحدة وإيطاليا واليونان ورومانيا والبرتغال على الدولة العثمانية ويعلنون الحرب عليها.. لتندلع الحرب العالمية الأولى عام 1914، والتى راح ضحيتها أكثر من 16 مليون قتيل و8 ملايين مفقود و20 مليون جريح!!.. والسبب تصرف أهوج من شاب أحس بالظلم فأراد إثبات نفسه!.. وللعلم لم يعدم الشاب الذى تسبب فى موت الملايين بعد اقترافه لتلك العملية لأنه كان قاصرا!!.. ولكن ما حدث يثبت صحة نظريتى الفراشة والدومينو، واللتان استخدمتهما الولايات المتحدة فى المنطقة العربية، فاستغلوا كل الأمور سواء الموجودة بالفعل، أو التى صنعوها من أجل إحداث النتائج التى يرغبونها، فأعادوا رسم خريطة المنطقة من جديد وفقًا لأهدافهم.. ولكن علينا أن نتعلم من التاريخ والحاضر، ولا نستهين بأى حدث مهما بدا صغيرا، لأن أتفه الأسباب قد تؤدى إلى أعظم النتائج.