السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

طقوس التطابقات والاختلافات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قاموس السياسة لا يعترف بالمقارنات العشوائية وإن تشابهت الأطر العامة، إذ لا يمكن استبعاد خصوصية تركيبة أى بلد عن القراءة الصحيحة للحدث الذى يدور على أرضه. كل المقارنات بين التغييرات السياسية التى عاشتها مصر منذ 2011 وموجات الحراك الشعبى والأمنى التى شهدتها دول السودان والجزائر وليبيا، لا تقترب من الرؤية الموضوعية الدقيقة. 
إشكالية دور الجيوش الشرعية فى أى مطلب شعبى للتغيير التى تصدرت اهتمام قادة وإعلام دول أوروبا، رغم أن التاريخ لم يشهد سابقة على قدرة شعب أعزل، التخلص من جحيم ميليشيات تملك تسليحا ثقيلا متنوعا، أو اجتثاث نظام تجذر فى مفاصله الجمود والفساد دون مساندة القوة الوطنية الشرعية لهذه الدولة فى إطار دورها كقوة حاسمة فى التحرك لصالح الشعب وحماية مطالبه، بنفس ضرورة وجودها القومى لحماية أمن حدود بلادها. النغمة النشاز حول عزل الجيش عن دوره الحيوى فى إنقاذ وطنه من جحيم اقتتال داخلى أو حرب أهلية، أو كل ما يعرض وجوده ووحدته للخطر لم تعرف طريقها إلى «أذن» الشارع العربى إلا عبر «جماعة» أنشأت وسلحت ميليشياتها الخاصة كبديل للجيوش الوطنية. علما بأن جماعة «الإخوان المسلمين» ما زالت لاعبًا أساسيًا فى المعادلات الليبية والسودانية والجزائرية، بحكم تواجد أحزابها وقواها. من جهة أخرى، أى تغيير فى هذه الدول يرتبط بعدة خيوط مع مصر سياسيا، بالإضافة إلى توليها رئاسة الاتحاد الأفريقى، مصر أصبحت –عربيًا وأفريقيًا- الصوت الناقل للرؤية العربية والتفاوض مع قيادات العالم حول بؤر الصراع فى المنطقة.. الأهم أمنيا، هذه الدول تمثل عمقًا استراتيجيًا لمصر وامتدادا للأمن القومى المصرى، بحكم امتداد حدود مشتركة كبيرة مع السودان وليبيا، أو روابط وطيدة مع القوى الوطنية فى الجزائر.
القصور العام فى المنظومة العربية على إيجاد حلول لمشاكل المواطن الطارئة أو المزمنة شكل الشرارة الأولى فى الحراك الشعبي، لكن الالتفاف عليه وجره إلى مسارات بلغت من الانحطاط إلى اختزال وتهميش الوطن ليصبح أداة فى يد ميليشيا من أجل تحقيق «كابوس» الخلافة بكل آفات الرجعية والفوضى التى يحملها، ما دفع القوى الوطنية فى «ليبيا، السودان والجزائر» إلى سرعة التحرك من أجل الوصول إلى الاستقرار والمسار السياسى المتوازن. الاعتراف بشرعية ونبل المطالب الشعبية لايمنع من الاعتراف بعوامل التلقائية وانعدام الخبرة فى الاحتجاجات العربية، ما دفعها إلى ممارسة السياسة وفق أبعد منهج يصلح لها.. البراءة، حتى أن الحراك الشعبى أغفل عن إلقاء نظرة عابرة على جذور عقيدة جماعة الإخوان الرافضة لأى معتقد ثوري.. بالتالى غاب عن الشارع مراجعة الهدف وراء إقحام عناصرهم على كل احتجاج شعبي. لحظة «الاستنارة» والمراجعة التى سريعا ما أفاق عليها الشارع المصرى من أجل استعادة بلده، هى نقطة التواصل الهامة التى يجب أن تضع عينها عليها قوى وشعوب الجزائر، ليبيا والسودان، إذا جاز استدعاء تعبير التطابق أو الاستفادة من التجارب السابقة فى القراءة السياسية لأحداث الأشهر الماضية.
تخبط الموقف الأوروبى تجاه بؤر الصراع فى المنطقة، أدى إلى تفاقم حدة هذه الأزمات نتيجة عدم توصلها- سواء فيما بينها أو مع الإدارة الأمريكية- إلى حد أدنى من التوافق حول الصراعات، سواء فى سوريا، ليبيا، أو اليمن، وتركيز صناع القرار فى العالم على توظيف الصراعات لمضاعفة مكاسبهم فى «لعبة» تقسيم المصالح على حساب تطبيق حلول حاسمة على أرض الواقع. أمريكا استقبلت بإشارات إيجابية تطورات الاحتجاجات الشعبية فى السودان، معلنة ترحيبها بالخطوات التى اتخذها المجلس العسكرى الانتقالى برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، بعدما أثمرت لقاءات المجلس مع وفود القوى السياسية والمهنية عن استجابة الأول للمطالب المشروعة التى حملتها الوفود من أجل التوصل إلى وفاق وطني، أمريكا أيضا بادرت بالإعلان أنها بصدد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما يعزز خروجه من دائرة العقوبات.
على الطرف الآخر، يظل الموقف الأوروبى إزاء تطورات الأحداث فى ليبيا، أسير متاهات المراوغة والمصطلحات الجوفاء. الدول الداعمة للإرهاب لا تنقطع عن تغذية الميليشيات الإرهابية بالدعم البشرى والعسكرى، تحت أنظار المجتمع الدولي.. فى المقابل يتزايد تعنت دول أوروبا حول تسليح الجيش الوطنى الليبى بقيادة المشير خليفة حفتر، رغم إدراكها أن التمسك بهذا الحظر، مع تدفق الميليشيات الإرهابية بأسلحتها على ليبيا، يساهم فى إطالة عمر الاقتتال الذى يدفع ثمنه الشعب الليبى من منطلق الثوابت التى تربط التوصل إلى حلول سياسية، بعدم وجود مناطق تحت سيطرة جماعات إرهابية. ممارسة التلاعب بمصطلح «الحل السياسي» فى ليبيا تفرض عدة علامات استفهام.. إذ من هو «الطرف» المطلوب منه التفاوض مع ميليشيات إرهابية؟ بينما تصر دول أوروبا على الالتزام الصارم بعدم التفاوض مع هذه الجماعات، وهو تناقض غير مفهوم.. حتى مع وجود أطراف ليبية تحمى تلك الميليشيات عبر إعطائها غطاء سياسي، وهو ما تعيه أوروبا جيدا. رغم «الجموح» الغالب على إدارة الرئيس الأمريكى ترامب، إلا أن اتصاله بالمشير حفتر، وإقراره بدور الثانى فى محاربة الإرهاب وإقامة نظام سياسى مستقر، ما يعطى إشارة دعم لعملية «الكرامة» التى يقودها الجيش الوطنى الليبى لتحرير طرابلس، حمل رؤية أكثر وضوحا من تصريحات على شاكلة تلك التى صدرت مؤخرا عن رئيسة وزراء المانيا «ميركل»، حول التمسك بالحل السياسي، أو مسودة قرار بريطانى مقدم لمجلس الأمن يطالب بوقف إطلاق النار فى ليبيا.. بينما يكمن موضع القلق الحقيقى دول الاتحاد الأوروبى من تسبب عملية «الكرامة» فى حالة نزوح جماعى نحو شواطئ أوروبا، بالإضافة إلى تأمين حقول النفط الليبي.