أصبح هذا العالم ثريًا جدًا، ويزداد ثراؤه كل يوم من كل جانب وبكل نحو، لا شك أن الحروب تتطور كل يوم بل كل دقيقة، كجزء لا يتجزأ من ثراء العالم الذى يتقدم كل لحظة مع كل فكرة بشرية جديدة تملك بصمة على جبين العالم، وقد برعت الدول جدًا فى تسخير إمكانات جديدة من أجل الوصول لأهدافها بطرق يمكن أن نطلق عليها متكاملة «حرب»، يقع العالم الآن تحت نير الجيل السادس «GW٦» من الحروب معصوب العينين أحيانًا ومغيب الفكر فى أحيان أخرى كنقطة متقدمة من التفكير البشرى التدميري.
وبما أننا وصلنا لحروب الجيل السادس، فمن المؤكد أن هناك أجيالاً خمسة للحروب سبقتها وأدت إليها، إذ أطلق «حروب الجيل الأول» على الحروب التقليدية بين جيشين نظاميين لدولتين، ويرى وليام ليند أن هذه الحروب هى حروب الفترة من ١٦٤٨م حتى ١٨٦٠م، أما حروب الجيل الثانى فهى حروب العصابات التى ظهرت فى أمريكا اللاتينية، أما حروب الجيل الثالث فهى الحروب الوقائية فهى التى ابتكرها الألمان وتعتمد على مفاجأة الخصم وضربه قبل أن يبدأ بالقتال، أما حروب الجيل الرابع فهو نوع اخترعته الولايات المتحدة الأمريكية بعد الهجمات على برجى التجارة العالميين فى عام ٢٠٠١ م، إذ قررت حكومتها فى ذلك الوقت أن الهجمات تمت من خلال جماعات إرهابية منظمة تتحرك بشكل محكم التخطيط والتنظيم على الأرض، فيما يطلق مسمى «حروب الجيل الخامس» على تلك الحروب المعنية بالتعامل مع كيانات صغيرة متعددة ممنهجة وتشكيلات عصابية وتنظيمات إرهابية واستخدام المواطنين كلاعب أساسى وليس بمواجهة جيوش كاملة.
إن استعراض أنواع الحروب يجعلنا نصل منطقيًا للجيل السادس من الحروب كنتيجة منطقية فى اتجاه التطور فى أساليب الحرب عالميًا، إن حروب الجيل السادس تصل بنا إلى تصميم متكامل دقيق للفكرة التى نريد أن تقع فيها دولة أو فرد أو مجموعة، مستخدمين فى ذلك وسائل متطورة جدًّا.
كانت روسيا هى أول دولة تستخدم هذا المصطلح، ويعتبر الخبراء الروس هم أصحاب براءة الاختراع لهذا النوع من الحروب، إذ إنهم أول من استخدم حربًا على الخصم تشتمل على خليط من استخدام الأسلحة الصغيرة والنووية التكتيكية إدارة الصراع الاقتصادى والمعلوماتي، وتسخير الإمكانات الفضائية والعلمية المختلفة.
كان أول من أطلق هذا المصطلح «حروب الجيل السادس» الجنرال الروسى فلاديمير سليبتشينك، حين قال للعالم أجمع إن الحروب التقليدية قد عفا عليها الزمن، وأن كل الحروب بعد ذلك ستدار بأنظمة ذكية، وستحصد نتائج ذكية أيضًا.
إذ تعمل هذه الحروب على تجنيد كامل لشبكة الإنترنت وتخلق عصابات مهمتها الاحتيال وسرقة الهويات وممارسة العمليات الإجرامية، وهى حروب جمعت ما بين الإرهاب والإدارة عن بعد.
منذ بضعة أعوام أطلق أحد صحفيى الواشنطن بوست على إحدى منظومات هذه الحروب اسم «منظومة الجن الفضائي» لأنها اعتمدت على تقنيات عالية التطور تشبه الخيال المحض، وتعتمد على حوالى نصف مليون قمر صناعى صغير منتشرة حول الأرض. تعتمد هذه المنظومة على أجهزة MMG التى يمكنها مسح النشاط المغناطيسى للإنسان، ومن ثم توجيه موجات كهرومغناطيسية قد تتحكم به على نحو معين، وأطلق البعض على ذلك مصطلح «القرصنة البيولوجية». كما انبهر العالم باستخدام ما سمى بـ«الشعاع الأزرق» حين تمكنت الأقمار الصناعية من صنع انعكاسات ضوئية على الأرض تشبه كائنات حقيقية تتحرك فى عيون من رأوها تحت شمس الظهيرة، وأكدوا أنهم يتعرضون لغزو كائنات فضائية حقيقية، لم تظهر حقيقة الأمر إلا بعد أشهر حين كشفتها معلومات استخباراتية أمريكية.
على الجانب الآخر يمكننا أن نرى حروب الجيل السادس كشكل من أشكال التطور الإنسانى الكبير، لكن ليس المطلق، فبالرجوع قليلًا لفترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى والغربى فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، نجد أن سباق التسلح بين الفريقين كان قد بلغ حدًا أوصل الدول المختلفة لاقتراح أن تملك كل دولة ما تستطيع به سحق ضعف ما تدمره لها إحدى الدول، وأن تُعطى الحق لذلك بالفعل، إلا أن الشعوب لم تتفاعل مع هذه الأفكار، ولم تدعمها.
وعلى الرغم من كل ذلك، حكمت العالم اتفاقيات الحد من التسلح، ونزع الرءوس النووية فأنا أتوقع أن تقدم قدرات الحروب يصل بالإنسان لكراهية قدرتها على التدمير أكثر، حين يرى آثار دمارها أمامه عيانًا بيانًا، ومن ثم يجنح للسلام والاتفاق على آلياته، فالأرض تحمى نفسها بشكل أو بآخر على مر التاريخ ننتظر الكثير من اتفاقيات السلام وإجراءات التجريم فى مواجهة أجيال غاشمة من الحروب.