ليس دفاعًا عن نظام أو رئيس أو حكومة أو حزب، ولكنه دفاع عن حدود أربعة وأكثر من مائة مليون نسمة يعيشون بين حدود هذا الوطن، الآن صارت الصورة أكثر وضوحًا عمَّا مضى، لم يبق لنا سوى البحران الأحمر والمتوسط كمناطق آمنة نسبيًا، وعلى الرغم من ذلك نرى شحنات التهريب من خلالهما بين الحين والآخر، لذلك من حق الراصد أن يقول أين الجار الآمن لنا؛ لنطمئن له ونتنفس معه الهواء النقى؟
ليبيا، السودان، غزة.. كرة نار مشتعلة تتدحرج يومًا بعد يوم، وبينما الحال هكذا نعيش فى حدودنا؛ لنصطدم بين فترة وأخرى بمجنون يرتدى حزامًا ناسفًا داخل المدن، كما حدث فى الدرب الأحمر قبل شهور، أو طفل مفخخ، كما حدث فى الشيخ زويد، أو مجانين آخرين على طرف البلاد، يحاولون اقتحام كمين عيون موسى، كما رأينا قبل أيام.
هذه الحالة المتوترة والخطيرة نعيشها كحقيقة لا ينكرها إلا مزايد، هذه الحالة المشتعلة على حدودنا الأربعة يضاف إليها الخلايا النائمة فى الداخل، أراها أصعب من حروبنا ضد إسرائيل، ويزيد من صعوبتها أنها تأتى فى توقيت زادت فيه طموحات مشروعة للشعب المصرى بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، لذلك كل من يتصدى الآن لمواقع المسئولية فى مصر لابد أن يتحلى بصفة المقاتل، تلك الصفة التى تتطلب الشرف والنزاهة والكفاءة، وأن تكون مصالح الناس والحدود الآمنة هى الهدف الأساسى لعمله اليومي.
وبينما الحال هكذا تصبح معركتنا الأولى هى اقتلاع الفساد من جذوره والسعى خطوة خطوة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ المواطنة والوحدة الوطنية وإعلاء قيمة الدولة المدنية وسيادة القانون، ذلك الطريق هو الضمانة الوحيدة للانتصار، نراقب الجيران ونعمل على التوازن فى العلاقات الدولية بالقرار المصرى المستقل ونجتهد فى الداخل بالعمل والبناء، فهذه المرحلة لنا وللمنطقة كلها هى مرحلة فاصلة، هذه المرحلة هى التى يمكن القول عنها.. نكون أو لا نكون.
اشتعل السودان بالمظاهرات العفية المطالبة بالغد اللائق والمناسب للشعب السوداني، تلك المظاهرات التى أزاحت رئيسًا، وجاءت بوزير دفاع، ثم أزاحته فى ساعات قليلة، وجاء غيره.. أحداث متسارعة، وكان من الممكن لى أن أكتب لهم وصفة مجانية فى مقالى هذا، افعلوا كذا، وامتنعوا عن كذا، تحركوا من هنا، وابتعدوا عن هناك، ولكن الحقيقة هى أن مثل تلك الوصفات المجانية التى خرج بها خبراء الشئون الثورية هى وصفات لكى ننسى واقعنا المصري، ولكى لا نرى انعكاس تحركات حفتر فى ليبيا علينا، ولكى لا نرى نتائج التحركات السودانية الباسلة على واقعنا الداخلي، ليبيا والسودان لنا عندهما مطاريد إرهابيون، ليبيا والسودان لهم عندنا حق الغطاء السياسى بما يتوافق مع مصالح الشعب المصري.
لذلك كله، علينا قبل النشوة بمظاهرة فى الجنوب أو رصاصة فى شرق ليبيا أن نرى داخلنا المصرى بعناية وحدودنا الأربعة بوعى متقدم، هذه الأمور ليست غائبة عن الدولة المصرية، سواء كانت فى كوبرى القبة أو فى مؤسسة الرئاسة أو على كورنيش النيل فى وزارة الخارجية، ولكن كيف ينتقل حضور هذه الصورة الشاملة إلى المواطن المصري، فما يحدث على حدودنا ليس مباراة فى كرة القدم، ولكنها حروب جادة، وعلى ضوء نتائجها سوف تتحدد خرائط جديدة.
لنترك النوايا الحسنة جانبًا، لا أعتقد أنه بالأمنيات تسير الأمور كما نشتهي، وإنما بالتخطيط ووضوح الرؤية والعمل قد تتحقق الأحلام المؤجلة، ينسحب هذا الكلام على علاقات الجوار كما ينسحب تمامًا على الشأن الاجتماعى والاقتصادى الداخلي، فالحرب كما قال مولانا الشيخ إمام لسه فى أول السكة.