الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العُملة الموحدة والظروف الاقتصادية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حين تتقدم للحصول على تأشيرة لزيارة إحدى دول الاتحاد الأوروبى فإنك تحصل على حق زيارة ١٩ دولة من أصل ٢٨ دولة تمثل قارة أوروبا، لكنك تستطيع أن تستخدم عملة واحدة فقط فى كل هذه الدول، وهى اليورو. لا شك أن قرار تداول عملة موحدة كان قرارًا اقتصاديًا جريئًا من قبل الاتحاد الأوروبى بدأ تنفيذه عام ١٩٩٩م على مستوى التعامل المصرفى، ثم حل اليورو محل عملات الدول الأعضاء بالاتحاد عام ٢٠٠٢م. بدأت العملة الموحدة كفكرة طرحها رئيس الوزراء اللوكسمبورجى فيرنر فى محاولة منه لتحقيق استقرار للعملات الأوروبية جميعًا عام ١٩٧٠م. إلا أن تطبيق فكرته تأخر كثيرًا. 
عادت دعوات للعملة الموحدة مرة أخرى فى العقد الأخير على يد مجموعة من الاقتصاديين الخليجيين فى محاولة لتفعيل أقوى لدور مجلس التعاون الخليجى الاقتصادي، إلا أن تجربة الاتحاد الأوروبى لم تكن مشجعة بما يكفى لخوض هذه التجربة. 
أظهرت الدراسات أن تفكير الدول فى توحيد العملة يأتى عادة لتحقيق عدد من الأهداف، منها اكتمال الوحدة فى كافة جهاتها بينها، وكذلك دعم التجارة بين الدول المستخدمة لتلك العملة، إذ إنها ستتبادل السلع والخدمات دون أية فروق فى سعر العملة، وبالتالى تختفى الجمارك والضرائب المفروضة من أجل فرق العملات. لذا لم يتوقف تطبيق التجربة على الدول التى تشكل إقليمًا معروف الحدود. إذ نجد تطبيقًا لها بين أربع دول أفريقية، مثلت مجموعة (CMA) هى سويتو وسوازيلاند وناميبيا وكانت صاحبة العملة الموحدة هى جنوب أفريقيا. ويظهر فى الاتحادات الصغيرة النطاق بشكل أكبر هدف مهم لتوحيد العملة ألا وهو دعم استقرارها أمام العملة الأقوى فى العالم، وهى منذ فترة طويلة (الدولار الأمريكي). إذ تزايد الاهتمام باليورو مثلًا فى فترة الركود العالمى عام ٢٠٠٨م، فى محاولة لدعم النقد الأوروبى أمام الدولار الأمريكي، إلا أن التجربة أسفرت عن مشاكل لم تشجع على تكرارها.
دخلت بعض دول الاتحاد الأوروبى فى أزمات اقتصادية طاحنة أودت ببعضها للإفلاس، مما اضطر الاتحاد لدعمها فضعفت عملته النقدية بالتالي، وبدلًا من ارتفاع سعر اليورو أمام الدولار بدأ يعانى من انخفاض سعره، وبدأت بعض شعوب دول لها عملات قوية فى إعلان غضبها من ذلك، بل من فكرة الاتحاد الأوروبى، ومنها بريطانيا صاحبة الجنيه الاسترليني. ظهرت كذلك مشكلة التبادل التجاري، إذ إن بعض الدول ليست منتجة ولا تملك ما تعطيه، فى مقابل أنها تأخذ منتجات دول الاتحاد بعملة موحدة تعفيها من كثير من الأعباء النقدية، كما أن تحويل العملة المحلية الضعيفة إلى اليورو أوهم بعض السكان المحليين فى الدول الفقيرة حتى الآن بأن اليورو أحد أسباب تفشى الغلاء. 
لعل هذه الأسباب، وغيرها، لم تشجع مجلس التعاون الخليجى على تبنى العملة الموحدة. إذ تظهر دراسات اقتصادية، مثل دراسة د. عبدالرحمن بن محمد بن السلطان، أن هناك العديد من الأسباب التى تدعو لرفض الفكرة، وهى تفوق بكثير الأسباب التى تدعو لقبولها، وجاء السبب الرئيسى للرفض فى «النفط» الذى مثل منتجًا رئيسيًا لدول المنطقة جميعًا أسفر عن غياب تنوع الإنتاج للمنتجات المختلفة، ومن ثم لن تتحقق تجارة بينية للمنتجات بين تلك الدول فتغيب فائدة توحيد العملة الكبرى، فى مقابل نشاط كبير فى حركة التجارة من الخارج، لذا فالعملات الأعلى قيمة ستبوء بالضرر وفقًا لتجربة الاتحاد الأوروبي.
إذن فكرة العملة الموحدة لا ترتبط بإقليم قدر ما ترتبط بظروف اقتصادية، وهى حل اقتصادى تلجأ له الدول لما يهبه لها من قدرة على الاستمرار مستقرة فى السوق العالمية، إلا أنه لم يضمن لها الصعود كما كانت تأمل، ولم يحقق لها قوة دينار الدولة الإسلامية المتنوعة فى كل شيء والمتحررة من قيود التجارة والنقد فى التاريخ القديم.