العنترية التى بدأ بها الرئيس الأمريكى ترامب رحلة رئاسة أكبر دولة فى العالم بدأت تتوارى شيئًا فشيئًا، بعد أن دخل الرئيس الأمريكى فى أكثر من معترك وأغلبها اقتصادى، لفرض إتاوات على العالم لجمع المال وسد العجز الكبير فى الموازنة الأمريكية.. فكان ملفه الأول يتعلق بالشركاء الأوروبيين فى حلف الأطلنطى، عندما حاول فرض رسوم حماية عليهم، لكنه فوجئ بالموقف الأوروبى الصلب، خاصة من جانب أقوى قوتين فى الاتحاد الأوروبى «ألمانيا وفرنسا»، ثم دخل فى صراع فرض الرسوم على الصلب ومعه تبادل رفع الضرائب على الصادرات الصينية لأمريكا، والتى قابلته الصين بنفس المعاملة.
فترامب رجل اقتصاد فى المقام الأول وعلاقته بالسياسة مثل علاقتى بالذرة لا أفهم فيها شيئا.. لكن يزعجه كثيرًا تفوق الصين فى عملية التبادل التجارى مع العم سام، خاصة أن العملية تميل لصالح الصين بأكثر من 400 مليار دولار.. الأمر الذى يدفعه إلى إيقاف تغول الصناعات الصينية فى السوق الأمريكية، لكنه لم يفلح أيضًا، بل أصابه الصينيون بسهم آخر ظهر بعد التقارب الأفريقى- الصينى، والذى بموجبه قدمت الصين 60 مليار دولار منحة إلى الدول الأفريقية على مدى السنوات الثلاث المقبلة، ناهيك عن طريق الحرير الذى أصاب ترامب بهوس جديد، كون هذا الطريق سوف يزيد من التكتل الصينى الآسيوى الأفريقى ويهدد المصالح الأمريكية فى القارتين.
فلم يجد ترامب طريقا لتحقيق مآربه سوى اللجوء إلى الضغط على الدول العربية لفرض إتاواته عن طريق الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيونى والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السورية.. وبالطبع فوجئ برفض العالم لأفعاله التى تزيد من حدة الاحتقان فى منطقة الشرق الأوسط، الذى يسعى العالم إلى إنهاء الصراعات فيها، خاصة الأوروبيين بعدما ذاقوا طعم الإرهاب بعض الوقت، وفى نفس الوقت يخشون عودة الإرهابيين الأوروبيين إلى بلدانهم.
ويفطن الرئيس السيسى لكل هذه الأمور وما هو أكثر من ذلك.. وفى نفس الوقت أصبح العرب يدركون أكثر من أى وقت مضى أن استقرارهم فى توحدهم وليس فى الرضوخ والتبعية للأمريكان، الذين ظهرت نواياهم بشكل غير قابل لأى شك.. فباتت الدول العربية تسعى بشكل حثيث إلى تحقيق التقارب العربى وحلم السوق العربية المشتركة وعمليات الربط المهربائى وزيادة التبادل التجارى فيما بينهم، وأصبحت هناك نماذج ناجحة تتمثل فى التقارب المصرى السعودى الإماراتى البحرينى الأردنى، والذى بدأ يجذب العراق وغيرها.
وبدأ يلوح فى الأفق حل المشاكل فى سوريا وليبيا، للتخلص من الميليشيات الإرهابية، وبدأ الدور التركى القطرى الإيرانى ينحصر بشكل كبير، وظهر هذا جليًا فى خسارة حزب أردوغان فى انتخابات المحليات التركية، خاصة فى كبرى المحافظات، كالعاصمة أنقرة والعاصمة الاقتصادية إسطنبول وانهيار الليرة، وفى نفس الوقت تراجع الاقتصاد الإيرانى بشكل كبير بعد العقوبات الأمريكية والحصار الاقتصادى، الذى تفرضه عليها وفى نفس الوقت نجاح دول التحالف فى الضغط على الحوثيين باليمن وانعزال قطر، والتى تبذل محاولات مضنية للصلح مع دول المقاطعة مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
وكل المؤشرات تقول إن رحلة الرئيس السيسى إلى أمريكا، والتى ستبدأ يوم ٩ من الشهر الجارى سوف تحقق النجاحات المرجوة بعد أن يخرج ترامب من المباحثات بقناعات تتمثل فى استحالة تحقيق حلمه بمنح قطعة من سيناء لقيام الدولة الفلسطينية وأنه لا بديل عن إقامة الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة قبل 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
والأمر المهم فى هذا الشأن يتمثل فى اقتناع أمريكا التام والآن أى أمر لن يكون له وجود إلا عن طريق مصر التى فرضت إرادتها على الجميع، وباتت من الدول التى تنظر لها المؤسسات الاقتصادية العالمية على أنها ستكون من الاقتصادات القوية خلال العقد المقبل ناهيك عن تطور جيشها الذى أصبح يمثل قوة يعمل لها ألف حساب.
لذلك ينتظر أن إنجازًا السنوات القليلة المقبلة إلى الأمة العربية التى ستعود إلى المسرح العالمى بثوب جديد بعد أن دفعت الثمن غاليًا على مدى ثمانى سنوات واستوعبت أقصى الدروس التى مرت عليها منذ أيام الاستعمار البغيض، وبالتالى فسوف تُجهض مباحثات الرئيس الحلم الصهيونى الذى يطلق عليه صفقة القرن.
والله من وراء القصد.