بعد أيام من اعتراف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالسيادة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية، ومع حلول الذكرى الأولى لمسيرات العودة وكسر الحصار التى أطلقها الفلسطينيون فى الـ30 من مارس عام 2018، انعقدت القمة العربية الثلاثين بتونس لتسفر عن بيان تقليدى، وكغيره من بيانات القمم السابقة لم يخرج عن عبارات المطالبة والمناشدة للمجتمع الدولى بتحمل مسئولياته تجاه القضية الفلسطينية وباقى الملفات العربية الساخنة فى سوريا وليبيا واليمن، إضافة إلى عدد من البنود التى باتت معروفة مسبقا لدى الرأى العام مثل التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والعمل على تدعيم الأواصل المشتركة وتنسيق الجهود فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية، مع تحديث بنود الشجب والإدانة وفقًا للمتغيرات الجديدة، حيث كانت مرتفعات الجولان موضوعها هذه المرة.
بيان القمة خلى من مجرد التلويح باتخاذ إجراءات عملية من شأنها تفريغ قرارات ترامب حول القدس والجولان من مضمونها، وإعلام دول العالم بأن مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية قد تتأثر حال تعاطف ايجابيا مع الخطوات الامريكية، ووقف الرئيس الفلسطينى محمود عباس وحيدًا يطالب قادة العرب بتوجيه رسالة واضحة مفادها أن أى دولة ستقوم بنقل سفارتها أو مكاتبها الدبلوماسية إلى القدس ستعرض مصالحها الاقتصادية فى المنطقة إلى الخطر.
من الناحية الواقعية لا يمكن مطالبة الدول العربية باتخاذ إجراءات ضد مصالح الولايات المتحدة، لكن بعض المراقبين يرون أنه كان بوسع المجتمعين فى تونس الإعلان عن حزمة إجراءات ضد كل من يتماهى مع القرارات التى تعصف بالشرعية الدولية.
ومع ذلك لا تبدو الصورة قاتمة إلى هذا الحد، فقد كشف الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكى، فى تصريح لافت، عن أن الدول العربية نجحت فى منع 40 دولة من نقل سفاراتها إلى مدينة القدس، وهو ما يعنى أن العرب يمتلكون ما يجعلهم قادرين على تقويض محاولات الالتفاف على الشرعية الدولية.
قبل التساؤل عما كان يمكن أن تقدمه قمة تونس أو غيرها من القمم السابقة سواءا للقضية الفلسطينية أو غيرها من الملفات العربية الشائكة، ينبغى التوقف طويلا أمام عدة معطيات كان لكل منها دوره الحاسم فى تأزم الأوضاع وما انتهت إليه بقرارات ترامب بشأن القدس والجولان.
أولى هذه المعطيات الانقسام الفلسطينى الذى يجسده الصراع بين حركتى فتح وحماس الممتد عبر نحو عقدين منذ اتفاق أوسلو، والذى طفا إلى السطح مع الانتخابات التشريعية الفلسطينية فى عام 2006.
وباءت كل المحاولات المصرية لإجراء مصالحة بين الطرفين بالفشل بسبب تعنت كل منهما وتمسكه بمواقفه ومع مرور الوقت تجذرت القضايا الخلافية بينهما، وهناك ملفات مهمة من الصعب حلها، من تلك القضايا الأمن والسلاح فلا يمكن أن يستمر الوضع على هذا النحو المختل بوجود سلطتين يمتلك كل منهما أجهزته الأمنية وعناصره المسلحة ومع ذلك من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن توافق حماس على حل أجهزتها الأمنية وجناحها العسكرى كتائب القسام لتنضوى جميعًا تحت لواء السلطة الفلسطينية، أو حتى فى إطار جيش دولة فلسطين مستقبلًا.
حتى مسيرات العودة وكسر الحصار التى انطلقت قبل عام لم تنجح فى تقريب وجهات النظر بين الفصيلين، ولم يكن مئات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا أمام السياج الشرقى الذى يفصل بين قطاع غزة وإسرائيل مبررًا كافيًا لرفع لواء فلسطين الموحدة.
منطقيًا كيف يمكن المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة أراضيها متصلة بينما الواقع يقول إننا إزاء أراضٍ مقسمة بين سلطتين؟!
المعطى الثانى يتعلق بحقيقة أدوار ومواقف بعض الدول العربية التى تبدى فى العلن دعمها للقضية الفلسطينية ووقفها ضد احتلال إسرائيل للأراضى العربية بينما هى سعت إلى التطبيع مع الدولة العبرية دون أن يكون لها حاجة له، ودولة قطر تمثل نموذجًا صارخًا، فمنذ زمن بدأت مشوار التطبيع مع إسرائيل على جميع الأصعدة والمستويات، ولعبت دورًا قذرًا فى إطار مخططات دولية لتقسيم دول المنطقة، وذلك بتمويلها الجماعات الإرهابية فى سوريا والتى كشفت تقارير أمريكية عن أن عناصرها كانت تتلقى أموالًا وسلاحًا من إسرائيل علاوة على تلقيها الرعاية الصحية فى مستشفياتها، ما يؤكد أن الدوحة تعاونت مع تل أبيب فى ترتيب أوضاع العناصر الإرهابية.
قطر مولت ودعمت الجماعات الإرهابية فى كل دول المنطقة تقريبًا من سوريا والعراق إلى اليمن ومصر وليبيا، وتآمرت على شقيقاتها فى الخليج الإمارات والسعودية والبحرين، وكان منطقيًا ونتيجة لكل هذه الصراعات أن نصل إلى مرحلة الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل وسيادة الأخيرة على الجولان.
الدوحة حذرت من التداعيات السلبية لقرار ترامب بشأن الجولان على مسار المفاوضات المتعثرة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى منذ عام 2014 بينما كانت ولا تزال تدعم حماس فى صراعها مع حركة فتح ولا تألو جهدًا لتأجيج هذا الصراع الذى كان واحدًا من الأسباب الرئيسية لتعكر عملية السلام.
المعطى الثالث يتعلق بالدور الإيرانى والتركى فى المنطقة، فالأولى لا تتوقف عن تهديد دول الخليج العربى، ودعم الحوثيين فى اليمن بالصواريخ البالستية التى تستهدف أمن المملكة السعودية، علاوة على استمرارها فى احتلال الجزر الإماراتية، وهى بذلك أغلقت كل الأبواب أمام امكانية وجود تنسيق بينها وبين العرب فى مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلى ومن خلفها واشنطن فاتخذتها الأخيرة زريعة للاعتراف بسيادة تل أبيب على مرتفعات الجولان.
أما تركيا الذى يصيح خليفتها صباح مساء بشعارات بـ«الملايين على القدس رايحين»، فقد عمل إلى جانب قطر مع إسرائيل على ضرب وهدم الدولة السورية، فكانت بلاده البوابة الرئيسية التى دخل عبرها آلاف الإرهابيين إلى الأراضى السورية.
وباعتباره إخوانيًا احتضن الجماعة الإرهابية وقدم لهم كل أشكال الدعم المادى والإعلامى والمخابراتى لتهديد الأمن القومى المصرى وتعاون مع أمير قطر لدعم جماعات الإرهاب فى ليبيا بشتى الصور.
بعض المنتقدين للجامعة العربية وأعضائها يعتبرون أيران وتركيا وقطر بتوجهاتهم وتركيباتهم السياسية الحالية مشاريع لحلفاء استراتيجيين، أضاعها ما يصفونه بالتخاذل العربى، متجاهلين الأدوار القذرة التى يلعبها هذا المثلث.
Ali.elfateh2017@gmail.com