الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بين الوطنية والمواطنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لعل الحروف المتشابهة، ونغمات النطق المتقارب للكلمتين يكون خادعًا فى معناه فنظن أنهما يحملان نفس المعنى ونفس الدلالة رغم الاختلاف الكبير الذى نتطرق إليه هنا لتتسع رؤيتنا معا لما هو أكبر من اللغة. وهو ما توصلت إليه أثناء البحث الذى أجريته لمؤتمر تطوير التعليم بالمجلس الأعلى للثقافة الذى تستضيفه جامعة المنوفية. لعلنا جميعا نعرف أن الوطن هو ما يربط بين الكلمتين، الوطن المكان الذى ولدنا فيه ونعيش فيه ونحمل جنسيته وننتمى إليه ونرتبط به بمشاعر قوية وصادقة تجعلنا نبذل فى سبيله كل عزيز وغال وقت تعرضه للمحن ويزيد العطاء إلى بذل الروح فداء له وقت الحروب أو العدوان. لا شك أننا جميعا نعلم ذلك. أما الوطنية فهى تلك المشاعر السامية التى تربطنا به وأسمى علاقة بيننا وبينه كأرض ولدنا عليها ونشأنا فوق ترابها ورسمت ذكرياتنا وآمالنا على ترابه. والإنسان الوطنى فى قاموس المعانى هو الإنسان الذى يحب وطنَه ويخلص له ويضحِّى من أجله، ويعمل على نصرته، ويدعو إلى استقلاله فى حال استعماره أو استهدافه. كل البطولات التى قرأنا عنها فى التاريخ لحماية الأرض والعرض كان دافعها وطنية أبطالها أبطالها، صغارا كانوا أم كبارا رجالا كانوا أم سيدات. جنودا كانوا أم مدنيين. أما المواطنة كما جاء فى بحث لمحمد طلعت فهى وضع اجتماعى يضمن حقوقًا وفرصًا متساوية لجميع الأفراد، ليس فيما يتعلق بنوع الجنس فحسب، بل يشمل الكيان السياسى المعين للدولة، كما أنه ينطوى على عضوية كاملة فى مجتمع سياسى يضمن حقوقا أو مسئوليات مدنية وسياسية واجتماعية متساوية»، وفقا لهذا التعريف، فإن المواطنة هى إثبات قانونى لعلاقة فرد ما بوطن بفعل الولادة والاكتساب «وهى لغويا مأخوذة من كلمة الوطن بكل محمولاتها الدلالية التى تعنى الحماية والإقامة والتعايش والتفاعل بين فرد ومجتمع ينتمى إليه» الأسرة، زملاء العمل والدراسة، الحى، المدينة، الدولة، العالم، كما تشير بعض التعريفات إلى التحولات التى لحقت بالمفهوم، فالمواطنة الآن فى بعض الاتجاهات الفكرية الحديثة لم تعد تعنى فقط معرفة الحقوق ولكن ممارستها أيضا. وهناك أنماط عديدة للمواطنة منها: المواطنة المدنية، وتعنى الاعتراف المتبادل والتسامح الاجتماعى والمساواة وتأسيس آليات المشاركة والصالح العام، والمواطنة السياسية، المبنية على حقوق الاشتراك فى الإدارة العامة فى إطار قانون يسمح للفرد بحقوق يقوم فى مقابلها بأداء مجموعة من الواجبات، وهكذا، يحصل الفرد فى إطار المواطنة على حق التصويت والترشح وحق الخدمة فى الجهاز الإدارى للدولة وحرية الرأى والاعتقاد، والمواطنة الاقتصادية، وذلك لأن المواطنة لا تنحصر فقط فى الدائرة السياسية وممارسة الحقوق المدنية، بل تشمل ظواهر اجتماعية واقتصادية متنوعة، ويرى عدد من الباحثين ضرورة تفادى الآثار السلبية للسياسة الاقتصادية على ممارسة المواطنة، حيث يمكن أن تؤدى بعض السياسات الاقتصادية إلى إضعاف التضامن الاجتماعى وتقويض دعائم الوجود المشترك ومعاييره وكما تتعدد أنماط المواطنة، تتعدد أيضا مستوياتها، فهناك المواطنة المحلية، التى تتمثل فى الانتماء لبلد معين لها حدود يحكمها نظام سياسى ممثل فى حكومة بما يعنيه ذلك من وجود مؤسسات وتشريعات ونظم قانونية وسلطات تنفيذية وتشريعية.

والمواطنة العالمية، وتعنى الاهتمام بمشكلات العالم المتعددة مع وجود وطن محدد، انطلاقا من الوعى العابر للجغرافيا والاختلافات القومية، إيمانا بتداخل المصائر وما يُسمى بمجتمع المخاطر «انتشار الأمراض الوبائية والكوارث الطبيعية والمجاعات والصراعات، وغير ذلك».

و«المواطنة الرقمية»، ففى سياق التحولات المعرفية والاجتماعية، ظهر مفهوم جديد متصل بما أحدثته وسائل الاتصال الحديثة وخاصة الإنترنت، وهو مفهوم «دولة الإنترنت»، وربما تكون التسمية غير دقيقة إلا أنها الأكثر شيوعًا واستخدامًا، صحيح أنها فى بعض الحالات لا تتنافى مع المبادئ الموروثة فى علاقة المواطن بمحيطه البشرى والاجتماعى، إلا أنها تعطيه ولو بشكل افتراضى وطنا أكثر اتساعا يضاف إلى وطنه الأصلى. من هنا كان مهما نوضح العلاقة بين المواطنة والوطنية التى يجب أن نربى عليها أطفالنا ليكون انتماؤهم بالكلية لوطنهم بترابه وناسه، وهو ما تعززه مفاهيم كالهوية والانتماء فى مواجهة ثقافة العولمة وصراع الدول الذى انتقلت فيه الحرب من ميادين القتال إلى الهدم الممنهج بالشائعات وقتل الروح للشباب زعزعة إيمانها بأوطانهم حتى تهون فيسهل اقتناصها فيما يعرف بحروب الجيل الرابع. وهنا أود أن أشكر وزير التعليم وكل من اشترك فى تطوير منهج الروضة والصف الأول الابتدائى لأننى وجدت ما يعزز مفهوم المواطنة وما يعزز هوية الطفل وقبوله للآخر الذى يتواصل معه بوعى لا ينتقص من وطنيته ولا يعزله عن العالم وأتمنى أن يسير الأمر على نفس المنوال حتى تتحقق آمالنا جميعا فى مستقبل زاخر بالمحبة نعيش فيه ويعيش فينا.