اعتراف ترامب بضم هضبة الجولان المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية لا يمكن التعامل معه بخفة أو بخطبة رنانة أو من خلال بيان نارى يحرق أمريكا وتراثها الاستعماري، تلك الأدوات العقيمة قمنا باستخدامها عشرات السنين ولم يكن لها من نتائج سوى المزيد من الضياع وإهدار الحقوق، المثل الواضح على ذلك نشأة إسرائيل ذاتها بوعد من بلفور الذى لا يملك أعطى من لا يستحق.
وقتها تعالت الصرخات والتشنجات والشعارات حتى وصلنا إلى ما نراه اليوم، استرداد الأرض له طريق واحد نعرفه جميعًا من تجربة احتلال سيناء، منذ اليوم الأول لاحتلالها تواصلت المقاومة فى تناسق كامل ما بين الجيش والشعب وشهدنا مئات العمليات والبطولات الفذة وتابعنا حرب الاستنزاف وما هى إلا سنوات قليلة حتى عبر أبطالنا قناة السويس فى 1973 وعادت الأرض ولا تحكى معى الآن إذا كانت عادت حربًا أو سلمًا، النتيجة هى أن الأرض عادت.
هضبة الجولان نسخة بالكربون من تجربة سيناء، ورغم مرور ما يقرب من خمسين عامًا على احتلالها، إلا أن تحريرها ليس بالمستحيل، فقط أن يتم تحرير القرار العربى أولًا وأن نتعلم من دروس التاريخ بأن الرهان على المجتمع الدولى والقوانين الدولية هو رهان خاسر، فالاتحاد الأوروبى ومجلس الأمن الذى رفض قرار ترامب اليوم سوف يتراجع عن رفضه غدًا وخطوة خطوة يتم نهب الجولان إلى الأبد، لنبقى فى المواجهة وحدنا «لا مجتمع دولى ولا يحزنون»، لنبقى دون استعداد حقيقى لاسترداد الحق الضائع.
علينا ببساطة أن نعترف بخطأ المقولة التى يحاول البعض تصديرها لنا تلك المقولة التى تدعى أن احتلال الأرض لا يسقط بالتقادم، عذرًا.. لقد سقطت بالتقادم عشرات الأراضى وبالتحديد الأراضى العربية، تغيرت الحدود والخرائط أكثر من مرة واعترف المجتمع الدولى بذلك التغيير وضاعت الحقائق وتأسست وقائع جديدة على الأرض صار تغييرها شبه مستحيل، لن أضرب أمثلة كثيرة على ذلك ولكن فقط أشير إلى لواء الإسكندرونة شمال سوريا الذى اعتدت عليه تركيا وقامت باحتلاله وصار الآن نسيًا منسيًا.
نفس تجربة لواء الإسكندرونة يحاولون الآن استنساخها فى الجولان وبدلا من اسم تركيا كمغتصب نضع اسم إسرائيل، وتدور الدنيا وينسى العالم ويصمت العرب إلا من شجب وإدانة وشكاوى وتقاضى وكلها أدوات ركيكة ضعيفة تكرس للهزيمة ولا تتجه نحو الهدف.
أعرف جيدًا كما يعرف الجميع الوضع الصعب الذى تعيشه سوريا فى السنوات الأخيرة الحرب القذرة التى يخوضها منتخب الإرهاب العالمى على أراضيها وأعرف كم الخراب والدمار الذى شهدته الأراضى السورية، ولكن الحق فى الجولان أعلى صوتًا من رصاص الإرهاب ومن التآمر العالمى ضد سوريا، الحق فى الجولان يبدأ استرداده الآن وليس غدًا، ورب ضارة نافعة ويمكننا القول.. شكرًا لوقاحة الرئيس الأمريكى ترامب فى تصرفه الأخير الخاص بالجولان فتلك الوقاحة فرصة جيدة لننظر إلى أنفسنا ونواجه واقعنا البائس ونحاول- مجرد محاولة لنخطو خطوة عملية للأمام فلم يعد لدينا ما نخسره.
الملف غاية فى الصعوبة، ولكن اقتحامه الآن ضرورة قبل أن ينساه التاريخ، هضبة الجولان بموقعها الاستراتيجى الذى يطل على عمق إسرائيل لن تعيده إسرائيل وحلفاؤها بسهولة، لذلك يحتاج الأمر إلى تضامن حقيقى وإلى إجراءات عملية قد تصل إلى حد المغامرة لكى يعرف ساكن البيت الأبيض أن هذا الشرق الأوسط التعيس قد قرر الاستيقاظ من نومه، وقد قرر أيضًا أن يمتلك هذه المرة زمام المبادرة نحو تشكيل ملامح مصيره.
لم أفقد الثقة بعد فى الإمكانيات العربية، ولم أفقد الثقة فى سوريا المناضلة الجريحة، كل الاختيارات الآن موجودة على طاولة العرب، فقط بتحرير القرار تتحرر الجولان.