تقدم الأديبة والباحثة شريفة القيادى كاتبة الخاطرة، والمقالة، والقصة، والرواية، والسيرة، والباحثة الأغزر إنتاجا _ فى تاريخ الإصدرات النسائية الليبية_ فى كتابها (رحلة القلم النسائى الليبي) دراستها التوثيقية والتحليلية التى هى فى أصلها رسالتها لنيل الماجستير، والتى استغرقت سنتين ونصف السنة فى الإلمام بمتنها فى جهد رائد مبكر ودؤوب مُثابر (إذا ما علمنا أنها الزوجة والأم)، والذى ترصد فيه حضور المرأة منذ حادثتى 1911م و1921م، وظلالهما على وضع نساء طرابلس، كما تُعمل بحثا وتنقيبا عن أى شاردة أو واردة تُلقى بالا لأى صدى أو حراك نسائى مُنطلقة من تقصي: جريدة طرابلس الغرب، اللواء الطرابلسي، برقة الجديدة، الوطني، فزان، الليبي، الأخبار، الرائد، الطليعة، الحقيقة، البلاغ الجهاد، الفجر الجديد، الأسبوع الثقافى، وأعداد مجلات صوت المربي، ليبيا الحديثة، والمرأة الجديدة.
فشريفة تقدم شواهدها ونماذجها المقتطعة، وأحيانا الكاملة لكل ما يُدلل على ما زخر به المشهد الصحفى والأدبى آنذاك، وفى ذلك أولا: كونها مرجعية أساسية لكل من يبحث فى مرحلة التأسيس والتأصيل (البدايات) إذ عمرت الصحافة بدورياتها المتعددة بالمقالات والزوايا الخاصة بأقلامهم وأقلامهن التى تلح فى دعوتها لتوجه النساء إلى العلم والعمل للمساهمة فى نهضة البلاد (أقلام: صالحة ظافر، الطاهر برشان، محمد فريد سيالة، ربيعة بن مولاهم، محمد الشويرف،…).وثانيا: ما يُمثل المُتعـة والإفادة فى آن واحد لقُراء وقارئات لم يعاصروا تلك الحقبة النشطة والمُزدهرة لمجمل الدوريات الصحفية بكل أعدادها منذ بواكير أربعينيات القرن المنصرم، وحتى منتصف عقد السبعينيات (الفترة الزمنية المبحوث فيها).
كما ستوثق شريفة أيضا للآراء المُعارضة والمُخالفة مما يوحى بالمناخ السجالى الذى كان براحه مفتوحا، والذى ستظهر أثناءه وبعده أخبار وإعلانات تأسيس مدارس لتعليم البنات، واختبارات للمعلمات، وولوج فتيات إلى الجامعة، ثم ظهور جمعية النهضة بطرابلس أُسوة بسابقتها ببنغازي، وسَتنبرى العديد من الكاتبات فى مجال المقالة الهادفة لدفع المرأة وتشجيعها مثل: منوبية عكاشة، وبدرية النعاس، ونجية الطرابلسي، رباب أدهم، بهيجة الهادى المشيرقي، أفطيطيمة بوحلقة، آسيا غانم، آسيا عبدالعال، ليلى العرادي، وغيرهن اللاتى سيواظبن على الكتابة مع الزاوية المخصصة لأخبار ونشاطات جمعية النهضة.
ثم مرحلة بروز الكتابة الأدبية خمسينيات وستينيات القرن الماضى من شعر وقصة ورواية وسيرة، تعرض شريفة لقصص الرائدة زعيمة الباروني، وسيرتى خديجة عبدالقادر فى مصر، ولندن، وأشعار كاتبة المقالة كوثر نجم، وصدور مجلة (المرأة 1965م) التى ترأستها السيدة خديجة الجهمي، وقد كانت المُعلمة والشاعرة والكاتبة ومُعدة ومقدمة البرامج الاجتماعية التوعوية.
من أين لى أن أفى عرض هذا الكتاب القيم حقهُ، إنتاج صحفى غزير، وأسماء كثيرة وكبيرة، وتفاصيل لاشتغالهن المُؤسس المُتحمس، ومن نماذجهن أيضا: صليحة تربح ومقدرتها الجيدة فى تفصيل موضوعاتها، تذكر شريفة أنها كتابات ذات اتجاه فلسفى عميق، والسيدة حميدة البرانى من ستكتب فى زاوية يوميات (بجريدة الحقيقة) كما سيشغلها كتابةً (الصادق النيهوم) و(رشاد الهوني)، حميدة ذات الروح المتمردة والنفحة الثائرة - حسب رأى شريفة - والتى تعتبرها أيضا كاتبة صريحة وشفافة حين عللت: الحياة الأسرية تريد ذلك، والأزواج أيضا!، لقارئة تنتقد ظاهرة توقف أقلام ونتاج الكاتبات إثر زواجهن (وتقصد حميدة بعينها).
سنتعرف على الكاتبة والروائية مرضية النعاس من تلتزم بالكتابة اليومية فى جريدة الفجر الجديد عام 1974م إذ تشرف على صفحة الأدب، وزاوية الصباح و(الاستراحة)، وستكون (غزالة) العنوان والمرأة البطلة فى مجموعة قصصها الخمس عشرة التى ستقدم شريفة قراءة ناقدة لها.أيضا القاصة صديقة عريبي، والشاعرة صبرية عويتى وشقيقتها نادرة عويتي، والمُعلمة والصحفية لطفية القبائلى وأولى مشاركاتها 1958 فى جريدة طرابلس الغرب (حيوها) موجهة خطابها إلى المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد، ثم نشاطها بمجلة المرأة الجديدة منذ 1969م، بالإضافة إلى التحقيقات المتنوعة، وكتابها القصصى (أمانى معلبة).
فوزية بريون الشاعرة باسمها المستعار (أميمة أحمد) التى تُحرض فى إحدى مقالاتها (أكتوبر1969م) على أهمية تأمين نقابة أو مؤسسة تجمع جهود الكتاب على أساس من الحرية الكاملة والناضجة. وترى شريفة القيادى أن فترة الستينيات هى فترة التطور والنضج فى مسيرة الحركة الفكرية النسائية بتعدد منابر الكتابة وتعدد الأقلام والانتقال من مجرد المقالة الصحفية إلى الكتابة الأدبية، كما تُشيد بلحظات هامة فى تاريخ الحركة النضالية الوطنية النسائية أبرزها مشاركة المرأة فى المظاهرة المعبرة عن غضبتها لسقوط شهداء يناير 1964م، ووقائع المشاركة النسائية فى المؤتمر الأول للكتاب والأدباء الليبيين 1968م، والاستفتاء الذى طرحت أسئلته (مجلة المرأة) بعد شهر من قيام الثورة على مجموعة من الكاتبات الليبيات حول تقييم الحركة النسائية ودورها قبل الثورة.
الطريف أن شريفة لم تهمل أقلام القُراء والقارئات وأدخلته فى متن بحثها (من بعثوا برسالة لمحرر الصفحة مثلا، أو رد على مقال ولمرة واحدة فقط) ومنهن نورية عبدالسلام، آمال أنور، فاطمة محمد حسين، وغيرهن، كما استندت فى بعض ما وثقت له إلى إجابات لأسئلة قاربت 30 سؤالا، وجهتها إلى السيدات الرائدات صحفيات وأديبات، وقد أضفت كشهادات مكتوبة مصداقية للبحث، وعززت أيضا من بعض الشواهد والأدلة المستعان بها كوثائق حية، وقد كانت شهادتها الشخصية جزءا من أدلة وأسانيد لإثبات المعلومات عن شخصيات نسوية عرفتها عن قرب سنوات الدراسة، أو أثناء ولوجها للمشهد الثقافى ككاتبة وأديبة منتصف الستينيات.
(رحلة القلم النسائى الليبي) بمتنه الذى قارب الـ450 صفحة، للكاتبة والأديبة شريفة القيادى سفر فى عبق الكِتابات البكر ذات الهم والسؤال النهضوى والمعرفى، والتى عاركت قولا (وربما صرخت مُجلجلة)، وبادرت فعلا بكوننا جزءا من هذا العالم قريبه وبعيده، ولنا الحق فى أن نكون كما نحلم ونريد، تحية لأقلامهن التى أرست لجسر راسخ وثابت لعبور ومسيرة من جئن بعدهن.