بلا شك أن المدن فى بلادنا قد شابها الأمراض وتكالبت عليها بفعل السنين والأزمنة المتعاقبة أو بمعنى آخر قد شاخت وفقا لتعبير وزير الإسكان الجديد عاصم الجزار بعد أن ازدحمت وبنيتها التحتية تعانى من مشكلات عديدة، الأمر الذي جعل التفكير فى بناء ١٤ مدينة جديدة أصبح من الأمور الملحة والضرورية خلال الفترات المقبلة لاستيعاب الزيادة السكانية غير المنضبطة بأى حال من الأحوال لاسيما أن عدد السكان فى مصر زاد على ١٠٦ ملايين نسمة وفقا للإحصاء السكانى الأخير عام ٢٠١٦، الأمر الذى يدعونا إلى التفكير فى بناء مدن جديدة تناسب الجيل الرابع من المصريين ولكن المشكلات التى تواجه البلاد حيال هذا الأمر عديدة أولها تمويل الاستثمار فى البنية التحتية خلال العشرين سنة المقبلة لبناء ١٤ مدينة، والذى تحتاج فيه مصر إلى ٦٧٥ مليار دولار على مدى هذه الفترة وهو ما تحاول الدولة المصرية توفيره خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد توقع البنك الدولى أن تعانى مصر من فجوة مالية قدرها ٢٣٠ مليار دولار لتمويل الاستثمار فى البنية التحتية!
وثانى هذه المشكلات وهى العنصر البشرى أو الضمير الإنسانى للعامل أو الشركات المنفذة للعمل على طاقة مستوياته ومدى التزامه بالاشتراطات الدولية والأمانة بحيث لا يحدث كوارث مثلما رأينا من قبل فى شبكة المياة الخاصة فى مدينة القاهرة الجديدة والتى شهدت حوادث متكررة خلال الفترات الأخيرة مثل انفجار المواسير وكسورها وما يتبعها فى تكسير باستمرار فى الشوارع الجديدة لعمل إصلاحات كان من المفروض أنها مدن مخططة حديثا، ناهيك عن الانقطاع المتكرر فى المياة وهناك مناطق بالقاهرة الجديدة لا ترى المياه فى أوقات كثيرة.
ولماذا الصمت على قضية فساد شبكة المياة الخاصة بالقاهرة الجديدة التى شيدت فى عهد وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، والتى تم تشكيل لجنة لبحث المتسبب فى فساد هذه الشبكة وأضاع على الدولة مليارات فى جيوب الفاسدين ولكن اللجنة انتهت إلى لا شيء وهى عدم إدانه أحد!! والأدهى من ذلك التخبط الذى تعانى منه المجتمعات الجديدة والمدن التى هى من المفترض أن تتحاشى فساد الماضى بكل صورة وتبدأ صفحة جديدة فى بناء وطن وترميم ما أفسده الفاسدون فى جميع مناحى الحياة!
كما أن المدن الجديدة ضرورة لا غبار فيها ولكنها تحتاج إلى إدارة رشيدة لها وتوفير خدمات بها خاصة الأمن والاحتياجات المعيشية الأساسية وأماكن للتعليم الأساسى والجامعى ودور للعبادة وسياسة صارمة للمرور والحد من العشوائيات التى تجد فى عدم الانضباط الأمنى مرتعا لها لكى تعيث فى الأرض فسادا وإفسادا بسبب غياب الشرطة والأمن فى المدن الجديدة.!
فلابد فعلا من إصلاح ما أفسده الدهر فى المدن المصرية القديمة ومن أيدى الفاسدين فى كل المجالات، ولا بد أولا أن تهتم المدن الجديدة والقديمة بتجديد نفسها، وكما قال الوزير الجديد «الجزار» المدن مثل الإنسان لها مراحل عمرية، واتفق مع د. صلاح الغزالى فى وصفه بأن الإنسان المهمل وغير المكترث بصحته والكشف الدورى عليها لابد أن يصاب بالشيخوخة المبكرة وتتوالى عليه الأمراض.. وهذا ما حدث للمدن المصرية التى أهملت لسنوات وعقود طويلة بفعل الفساد الإدارى والإهمال والاعتماد على أهل الثقة وليس الكفاءة حتى تراكمت عليها الأمراض حتى شاخت.. نعم المدن المصرية شاخت ولكنها تحتاج إلى قبلة الحياة!.