تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قامت ثورة 23 يوليو 1952 بعد التفاف الشعب حول عملية إسقاط الملك وتحويل انقلاب الضباط الأحرار إلى ثورة حقيقية، ولم يدر بخلد الضباط الأحرار أن يكونوا بديلًا للحكم الملكي؛ حيث قاموا بمقابلة قيادات وزعماء الأحزاب القائمة حين ذاك، وكان على رأس هذه الأحزاب حزب الوفد، ولأن الضباط الأحرار هم أبناء الطبقة المتوسطة التى تأثرت بالمناخ والمعطيات السياسية والفوارق الطبقية فى المجتمع، خاصة مع بوادر تأثير القوى الناعمة من مسرح وسينما، كما كانت أحداث فبراير 1942 ماثلة فى أذهانهم كدليل على تواطؤ القوى الحزبية حتى مع الاحتلال لتحقيق أغراض سياسية وجزبية فى مواجهة الملك، أو حتى فى مواجهة المنافسين، إضافة إلى موقف بعض الأحزاب من حرب فلسطين، ومن القضية الفلسطينية بشكل عام، ذلك الموقف الذى فجر ما يسمى بـ«الأسلحة الفاسدة»، نهايك عن ظهور ذلك المضمون الاجتماعى الذى بدأ يتبلور فى الأفق نتيجة للظلم البين من قوى الإقطاع والرأسمالية ضد الفلاحين والعمال، وهو ما ظهر فى عدة محاولات جماهيرية رافضة لهذا الاستغلال، وذلك الاستبداد وبخاصة فى بهوت وكفور نجم وكفر سراج الدين وعاشور، تلك الوقفات الجماهيرية التى أنتجت فكرة تحديد الملكية لوضع حد لذلك الاستغلال، وهو القانون الذى رُفض من كل القوى السياسية والحزبية التى هى قوام ذلك الإقطاع والمسيطرين على مجمل الرأسمالية المصرية المرتبطة مصالحها بدول أجنبية، لذلك وجدنا هذه الهواجس المتملكة مشاعر الضباط الأحرار تبدأ بعرض بعض الأفكار التى تترجم مضمونًا اجتماعيًا يسعى لحل جزء من المشاكل الجماهير الكادحة والفقيرة، فعرض الضباط على الأحزاب بعض المطالب التى يجب أن تكون على أولويات برامجهم الحزبية للحزب الذى سيحصل على الأغلبية ليحكم، وكان مما عُرض على هذه الأحزاب قانون الإصلاح الزراعى، وتحديد ساعات العمل، وتحديد الحد الأدنى للأجور، وكانت هذه المطالب حدا أدنى لإحساس الشعب بالثورة. فرفضت الأحزاب كل ذلك حفاظًا على مصالحهم الشخصية، فما كان من الثورة غير إصدار قرارات ثورية بقوانين الإصلاح الزراعى، وتحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور. هنا كان من الطبيعى أن يصدر قانون 179 لسنة 1952، بهدف تنظيم وإصلاح الحياة الحزبية، فماذا حدث؟ لا جديد. نفس الأفكار، ونفس التوجهات الطبقية، ونفس السعى إلى تحقيق مصالح برجماتية نفعية استنساخًا لنفس الممارسات التى مارستها هذه الطبقة بعد ثورة 1919 وركوبها ثورة الشعب تحت شعار «الاستقلال والدستور». هنا كان قرار حل الأحزاب فى 16/ 1/ 1953، وتم حل الأحزاب عدا جماعة الإخوان المسلمين، فلماذا؟ كان الضباط الأحرار بتعدد توجهاتهم السياسية قد أدركوا الخريطة السياسية المرتبطة بالشارع، والتى لها تأثير على هذه الثورة سلبًا أو إيجابًا، ولا ننكر أن هذا القرار بعدم حل جماعة الإخوان كان ذا صبغة برجماتية نفعية لصالح الثورة فى المقام الأول، فبعد حل الوفد الذى كان يملك شعبية غير متكررة فى نفس الوقت الذى كانت جماعة الإخوان المسلمين قد لعبت كعادتها على وتر العاطفة الدينية واستغلال مناخ يخضع للتدين الشكلى وليس للدين، فكان طبيعيًا ألا تعادى الثورة أكبر تيارين شعبيين، وهما: الوفد وجماعة الإخوان، هنا أبقت الثورة على الإخوان المسلمين ليس لمواجهة الوفد فقط، ولكن لأمور أخرى، فقد كانت الأوضاع حين ذاك وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور قوى دولية جديدة، مع الاضمحلال البريطاني، تمثلت فى أمريكا والاتحاد السوفيتي، كان هناك ما يسمى بملء الفراغ أى ملء الفراغ الناتج عن اضمحلال بريطانيا وفى مواجهة الاتحاد السوفيتي، كانت هذه سياسة الرئيس الأمريكى أيزنهاور، الذى كان يلعب على نغمة مواجهة الشيوعية الكافرة التى تحارب الأديان، هنا كان الإخوان الورقة التى لعبت عليها الثورة، وهى أن الثورة ضد الشيوعية؛ حيث إن أمريكا وبريطانيا لم يكن موقفهما ضد الثورة، وقد تركتا الأمور لطبيعتها، وحتى لا يتم استعداء القوتين كان بقاء الإخوان، فبقائهم يحمل رسالتين وليس واحدة فقط، فالأولى هى أن الثورة ليست ضد التدين، وبالتالى لن تكون فى الجانب الشيوعي، والثانية هى دفع الاتهام بالشيوعية الذى كان بالفعل قائما سواء من القوى الأجنبية أو من جماعة الإخوان، التى ادعت أن لها يدا فى الثورة! وقد كان لاتهام الثورة بالشيوعية ما يبرره؛ حيث إنه كان ضمن الضباط الأحرار من هم ينتمون لتنطيمات يسارية، مثل: خالد محى الدين، وهو كان عضو مجلس قيادة الثورة، ويوسف صديق الذى بموقفه كان قد أنقذ الثورة من الفشل، إضافة إلى أحمد فؤاد المدنى الوحيد فى قيادة الثورة منذ البداية، وكذلك أحمد حمروش.
لكن لم يستمر شهر العسل كثيرًا بين الثورة والإخوان؛ حيث إن إعراض النخبة المصرية هى نفسها فى كل زمان؛ فحاول الإخوان فرض سيطرتهم على الثورة بفكر سلفى متخلف لا علاقة له بالإسلام، ولكن له علاقة بالمتاجرة بالإسلام لتحقيق مصالح حزبية وتنظيمية تصب فى مصلحة التنظيم، وليس فى مصلحة الإسلام، فطلبوا من عبدالناصر إلغاء السينما والمسرح وإلزام المرأة أيًا كانت سنها بارتداء الحجاب، فى الوقت الذى لم تكن بنات المرشد محجبات، ولكنها الانتهازية النخبوية. هنا كان التفكير فى إنشاء ما يسمى بـ«التنظيم السياسى الواحد»، الذى يختلف عن التعددية الحزبية، حيث كانت القوى الثانية فى العالم بعد الحرب العالمية، وهى الاتحاد السوفيتى وحلفاؤه، يطبقون سياسة الحزب السياسى الواحد، وهو ما سنتناوله فى المقال المقبل بإذن الله.