الأربعاء 04 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إيه حكاية الـ"بي بي سي"؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حسنا فعلت الهيئة العامة للاستعلامات بدعوتها المسئولين المصريين والنخبة إلى مقاطعة هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بى بى سي» وعدم قبول استضافتها إلى حين تتقدم باعتذار رسمى عن التقرير الذى نشرته مؤخرا بشأن اندلاع مظاهرات ضد الرئيس عبدالفتاح السيسى على خلفية دعوة أطلقها الإرهابى معتز مطر.
وأظن أن رئيس الهيئة ضياء رشوان وبصفته نقيبا للصحفيين معنى أيضا بتوجيه دعوة مماثلة للصحفيين الذين لا يزالون يظهرون على شاشات قنوات الإرهاب بدءا من الجزيرة مرورا بالشرق ومكملين وصولا إلى قناة العربى واتخاذ إجراءات حاسمة ضد من يعملون كمراسلين من داخل مصر لتلك القنوات والمواقع الإرهابية المرتبطة بها إضافة إلى وكالات الأنباء والمواقع التركية التى تنشر تقارير مناهضة للدولة المصرية وداعمة لجماعة الإرهاب.
وعلى مجلس النقابة برئاسة رشوان اتخاذ إجراءات تصعيدية تعتبر العمل فى تلك المواقع والقنوات تطبيعا مع العدو الإخوانى يستوجب العقاب النقابى والمهنى شأنه فى ذلك شأن من يثبت عمله فى أحد المواقع أو الصحف الإسرائيلية، خاصة أن القوانين المصرية تصنف تنظيم الإخوان كجماعة إرهابية وتجرم العمل معها أو الانضمام إليها.
تقرير الهيئة العامة للاستعلامات حول أداء الـ«بى بى سى» وما بثه موقعها الإلكترونى تميز بحرفية عالية لاعتماده المعايير المهنية فى عملية التقييم، ومن المؤسف أن يشهد المرء هذا السقوط المدوى لمؤسسة إعلامية بحجم هيئة الإذاعة البريطانية.
كانت لدقات ساعة «بيج بن» وقع مختلف فى نفوس ملايين المستمعين الذين ينتظرون من راديو بى بى سى سماع أخبار عن بلادهم ربما لم يطالعوها أبدا فى وسائل الإعلام والصحف المحلية.
ولم يكن انفراد البى بى سى ببعض الأخبار والأحداث التى تقع فى دول منطقة الشرق الأوسط المصدر الوحيد لمصداقيتها فقد كان تنوع برامجها والخدمات الإخبارية والثقافية والمعرفية التى تقدمها أهم مصادر مصداقيتها لدى الجمهور إضافة إلى استضافتها للشخصيات العامة التى لها حضور فى العالم العربى سواء على المستوى السياسى أو الثقافى أو الاجتماعى وما تمثله من توجهات سياسية مختلفة بخلاف لقاءاتها مع كبار المسئولين وما تطرحه عليهم من تساؤلات تبدو أكثر صراحة وجرأة من تلك التى تطرحها وسائل الإعلام المحلية المملوكة للدولة.
أجيال كاملة من مستمعى بى بى سى ارتبطت بأصوات مذيعيها العرب، وكمستمع قديم تعلمت أصابعه طريق مؤشر الراديو إلى إذاعة البى بى سى من والده، أذكر أسماء بعض المذيعين الذين ارتبطت بهم آذان ملايين المستمعين العرب من المحيط إلى الخليج خلال فترة ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، والذين تعلمت منهم بشكل غير مباشر طريقة إدارة الحوار مع المصادر الصحفية باختلاف طبيعتها وأسلوب استنباط الأسئلة من حديثهم وذلك عندما بدأت انتبه لهذه الأمور أثناء دراستى بكلية الإعلام جامعة القاهرة.
من هؤلاء سلوى جراح وهدى الرشيد وماجد سرحان وحسام شبلاق وعلى أسعد وأيوب صديق ونجلاء العمرى ومحمود المسلمى ونور الدين زرقى ومديحة المدفعى وحسام السكرى الذى يكتب مقالا ثابتا بجريدة الشروق.
فى كلية الإعلام تعلمنا أنه لا حياد مطلق فى الصحافة والإعلام، مهما ادعت الصحف ووسائل الإعلام، وتعلمنا أيضا أن الوسيلة الإعلامية تنجح فى إخفاء انحيازاتها كلما مارست عملها باحترافية عالية معتمدة على أدواتها المهنية ومحافظة على القواعد والمعايير.
ولهذه الأسباب ربما استطاعت إذاعة البى بى سى الاحتفاظ بتأثيرها القوى لعدة عقود، لكن بعد تصاعد أحداث الفوضى والعنف فى عدد من الدول العربية على خلفية ما يسمى بالربيع العربى بدأ جمهور البى بى سى يشعر بتغير ملحوظ فى أدائها وصياغة ما تبثه من أخبار وتقارير، وشيئا فشيئا بدأت انحيازاتها تتكشف على نحو لا يقبل الشك، خاصة بعد نجاح ثورة الـ30 من يونيو عام 2013 فى الإطاحة بحكم جماعة الإخوان الإرهابية.
لم يعد الأمر بحاجة إلى باحثين متخصصين فى نظريات الإعلام لتحليل مضمون ما تبثه البى بى سى من أخبار، فقد بات واضحا للمشاهد والمستمع العادى انحياز هيئة الإذاعة البريطانية إلى جماعة الإخوان الإرهابية فى كل ما تبثه من تقارير وأخبار، بل إنها تبدو فى بعض الأحيان الوسيلة الإعلامية الناطقة بلسان حال التنظيم الإرهابي.
ليس تقرير البى بى سى بشأن اندلاع المظاهرات ضد الرئيس السيسى أبرز جرائمها الإعلامية، فقبل نحو عام ونصف تقريبا وبعد حادث تفجير مسجد الروضة ببئر العبد قام مكتبها بالقاهرة بتخصيص حلقة كاملة من برنامج بتوقيت مصر لإظهار الحادث باعتباره تجسيدا لفتنة طائفية بين المسلمين السنة، واستضاف البرنامج أحد أقطاب الطرق الصوفية وفى مواجهته أحد قيادات التيار السلفى وراح المذيع يلاحقهما بتساؤلات من نوعية متى سينتقم الشباب الصوفى من اتباع التيار السلفى وهل سنشهد عمليات تفجير لمساجد التيارات السلفية فى مصر؟، وحاول البرنامج طوال الحلقة الترويج إلى أن الفتنة الطائفية باتت تعم المصريين وأنها مستعرة بين المسلمين والمسحيين من ناحية، وفى طريقها للاستعار داخل المسلمين السنة بين الصوفيين والسلفيين من ناحية أخرى، إضافة إلى اشتعالها أصلا بين المسلمين السنة والشيعة.
من المحزن أن يرى المرء صرحا كبيرا بحجم البى بى سى يتهاوى على هذا النحو ويرتكب على يد صحفيين ومسئولين كبار به جرائم وخطايا إعلامية كانت فى الماضى مقصورة على وسائل الإعلام الحكومية المملوكة للأنظمة الاستبدادية فى دول العالم الثالث، وحتى لا أكون رومانسيا ليس مطلوبا من البى بى سى العمل ضد أجندة المصالح المرتبطة بها ولكن فقط أن تتحلى بالمهنية التى كانت معروفة عنها وأن تدرب مذيعيها وصحفييها كيف يخفون انتماءهم الإخوانى عندما يظهرون على شاشتها أو يجلسون أمام الميكروفون، ويتحركون داخل العواصم والمدن المختلفة لتغطية الأحداث.
قبل سنوات طويلة كنت ضيفا على راديو بى بى سى وكم كنت سعيدا بالجلوس داخل استديوهات هذه الإذاعة العريقة ولم أخف سعادتى تلك على المستمعين، ومن أجل هذه المحبة وتلك المكانة كتبت هذه السطور.
من المؤسف حقا أن تغيب عن البى بى سى حوارات كالتى كانت تجريها نجلاء العمرى مع رموز الثقافة والسياسة فى مصر وتحل محلها برامج تحرض على الدولة المصرية وتنشر الشائعات والأكاذيب وتبث سموم جماعة الإخوان الإرهابية بهذا الشكل الفج، لتصبح على يد الجيل الحالى من العاملين بها مجرد إذاعة ناطقة بلسان عصابة إجرامية.
ali.elfateh2017@gmail.com