الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مائة عام على ثورة شعب (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند مقابلة سعد زغلول وعبدالعزيز فهمى وعلى شعراوى للمندوب السامى البريطانى السير (رجنلد ونجت)، وذلك للحصول منه على ترخيص لهم بالسفر إلى باريس، وحضور مؤتمر الصلح الذى تقرر انعقاده بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كممثلين عن شعب مصر، وقد حاول «ونجت» إقناعهم بأن القضية المصرية لا تهم دول العالم فى شىء، وأن حضور المؤتمر لن يفيد مصر، والأفضل لها أن تظل تحت الحماية البريطانية، فالاستقلال سيؤدى إلى فوضى عارمة، وسوف تستغل تركيا هذه الفرصة للانقضاض ثانية على مصر واحتلالها من جديد، ولكن أعضاء الوفد أظهروا صلابة فى الرأى، وأوضحوا أن أمل هذا الشعب هو الاستقلال التام، وأنه قد آن أوان امتلاك حق تقرير المصير، وقال سعد: إن الشعب المصرى صاحب إرادة وأنه- أى سعد- قد فاز فى انتخابات الجمعية التشريعية ضد مرشح القصر المدعوم من الاحتلال، وكان سعد زغلول وصاحباه على اتفاق مع رئيس الوزراء حسين رشدى على هذه المقابلة، ووعدهم بأن يرفع الأمر للسلطان فؤاد كى يتوسط لهم عند الإنجليز فى مسألة السفر، وأخذ سعد يجتمع مع بعض الساسة والمفكرين والأدباء للتشاور فيما بينهم، حتى استقروا على تشكيل الوفد المزمع له السفر والذى ضم سعد زغلول رئيسًا، وعلى شعراوى وعبدالعزيز فهمى ومحمد محمود باشا وأحمد لطفى السيد وعبداللطيف المكباتى ومحمد على علوبة أعضاء.. واتفقوا على أن مهمة الوفد هى السعى بكل الطرق السلمية المشروعة للحصول على استقلال مصر استقلالًا تامًا، وأن الوفد فى ذلك إنما يستمد قوته من رغبة الشعب المصرى، وبدأت ألسنة الناس فى الشوارع تتناقل أخبار الوفد، ولاحت بارقة أمل فى الأفق عند المصريين، وما بين ليلة وضحاها بات الشعب لا يتحدث إلا عن سعد وأصحابه، وبزغ نجم سعد فى سماء الوطن، حاملا راية الكفاح الوطنى، ومستكملا مسيرة الزعيم مصطفى كامل الذى وقف ضد الإنجليز وشهر بهم أمام العالم كله بعد حادثة دنشواى فى 1906، وخاف الإنجليز تلك الشعبية الطاغية التى أصبح سعد زغلول يتمتع بها، فبعثوا برسالة شفهية له مفادها بأنه لا سفر؛ لأنك لا تمثل الشعب المصرى ولا تحمل توكيلا للحديث باسمه؛ فقرر سعد أن يدعو الناس للتوقيع على توكيلات له ولأعضاء الوفد، واستجاب الشعب فى ملحمة وطنية فريدة، وتم جمع ملايين التوكيلات فى مشهد لم يتكرر إلا قبيل ثورة الثلاثين من يونيه 2013، حين وقع معظم أفراد الشعب المصرى على استمارة تمرد رفضا لحكم مرسى وجماعته، ورأت الإدارة الإنجليزية أن التوكيلات التى يجمعها سعد ستبطل حجتهم فى منعه من السفر، فأمر المندوب السامى وزارة الداخلية بالتضييق على المواطنين ومنع تداول التوكيلات أوالتوقيع عليها، واعتقال من يكون بحوزته أحد هذه التوكيلات، ولكن الشعب لم يخف ولم يتراجع عن المضى فى طريقه رغم اعتقال العشرات، وتقدم سعد زغلول بطلب رسمى إلى المندوب السامى البريطانى يطلب فيه السماح له وزملاءه بالسفر والتفاوض باسم مصر، وكان الرد هو الرفض، فتجمع الناس حول سعد فى بيته الذى صار بيت الأمة، وألقى سعد خطبة فيهم وطالبهم بالاستمرار على هذا التآلف وهذه الوحدة، ووعدهم بالنضال واستمرار الكفاح حتى تنال مصر استقلالها، وكان ذلك فى يناير 1919، وتفاقمت الحالة السياسية فى مصر واشتد الغضب فى نفوس المصريين بسبب الإجراءات التعسفية التى اتخذتها الإدارة الإنجليزية مع أعضاء الوفد، ورفضهم الترخيص لهم بالسفر، وأصبح بيت سعد ملاذا للوطنيين الذين يجتمعون به كل ليلة، ولم يكن العدد يقل أبدا عن مائة وخمسين فردًا فى الليلة الواحدة، بل ازداد إلى ثلاثمائة فى إحدى الليالى، فامتلأت حديقة البيت وطرقاته بالبشر، وتطور الأمر باستقالة وزارة حسين رشدى تضامنا مع سعد، ولكن السلطان فؤاد- وكان لم يزل لقبه هو السلطان- رفض الاستقالة، وفى نفس الوقت سعى الإنجليز لحمل حسين رشدى على سحب استقالته، ولكنه أصر على موقفه الوطنى فتم قبول الاستقالة فى الأول من مارس 1919، وكتب سعد وزملاؤه مذكرة إلى السلطان يطلبون منه التدخل لدى الإنجليز والتوسط لهم بالسفر، ولكن فؤاد لم يرد على هذه المذكرة وتجاهلها تمامًا، وفى السادس من مارس أنذرت السلطة العسكرية البريطانية أعضاء الوفد المصرى باتخاذ إجراءات صارمة معهم إذا استمروا فى الاجتماع، وإرسال البرقيات إلى معتمدى الدول الأجنبية، ورفع المذكرات إلى السلطان، واتهمتهم بإثارة البلبلة فى الشارع المصرى «وهذا يعرضكم للمعاملة القاسية الشديدة بموجب الأحكام العرفية»، وكان هذا هو السطر الأخير من الإنذار الإنجليزى المرسل إلى سعد وأصحابه، ولم يتراجع أعضاء الوفد أمام هذا الإنذار، بل قام سعد بإرسال تلغراف إلى رئيس الوزراء البريطانى يشكو فيه التعنت الإنجليزى معه ومع أعضاء الوفد، وأمام هذا الإصرار قررت الإدارة الإنجليزية فى مصر اعتقال سعد زغلول وصحبه فى 8 مارس 1919.. وللحديث بقية..