لنا ذاكرة السمكة، ولنا لسان طويل قادر على السباب فى الوقت الذى نعطى فيه عقولنا إجازة مع سبق الإصرار والترصد، قضية أموال التأمينات عمرها يزيد على خمسة عشر عامًا، عندما استيقظت مصر على تدخل سافر من وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى عام 2004 وقام بضم أموال التأمينات إلى الموازنة العامة للدولة، هذا التصرف الخطير وما ينطوى عليه من تهديد مباشر لمصالح الملايين من أصحاب المعاشات كان محل نقد هجوم ومطالبات ومناشدات لكل قوى المعارضة المصرية مطالبين برد تلك الأموال إلى صندوق المعاشات لضمان استقرار من دفعوا أعمارهم لتنمية هذا البلد.
من محكمة إلى أخرى ومن صراخ فى البرلمان إلى اعتصامات وكتابات واضحة ورافضة لاستيلاء الحكومة على مدخرات الناس، من بين صفوف النخبة كان هناك من يدعم اليأس، ومن بينهم أيضًا من زرعوا الأمل والمقاومة والإصرار، وبالأسماء حتى لا ينسى التاريخ أكتب بحروف واضحة نواب حزب التجمع فى البرلمان خالد محيى الدين وأبوالعز الحريرى والبدرى فرغلى ومحمد عبدالعزيز شعبان ومختار جمعة ومحمد الضهيرى ورأفت سيف وحسن المهندس وهلال الدندراوى وأحمد سليمان وعبدالحميد كمال وسيد عبدالعال اضافة الى رفعت السعيد وعبدالرحمن خير فى مجلس الشورى.
هذه الأسماء لم تحتكر تلك المعركة وحدها ولكننى أشهد أن التيار الناصرى بممثليه فى المجالس التشريعية كانوا أيضا فى الصف الأول من تلك المعركة، بينما غاب عنها الانتهازيون الذين أكلوا على كل الموائد، غاب عنها من تشدقوا بالدين فى العمل السياسى وكان على الضفة الأخرى فى مواجهتنا كل نواب الحزب الوطنى بلا استثناء، فما الذى حدث لتتحرك تلك البركة الراكدة.
الذى حدث هو قيام أصحاب المصلحة المباشرة بتنظيم أنفسهم فى اتحاد أسموه اتحاد أصحاب المعاشات أو نقابة أصحاب المعاشات، ذلك الاتحاد الذى نجح بامتياز فى تجاوز الحزبية الضيقة والبرامج العامة الفضفاضة ليصيب بدقة هدفه المحدد وهو الدفاع عن حقوق أصحاب المعاشات وتأمين أموالهم واسترداد حقهم فى العلاوات المنهوبة، لا شك أن وجود البدرى فرغلى على رأس ذلك الاتحاد قد منحه زخمًا خاصًا بطعم قانونى وشرعى كما أن التفاف أصحاب المصلحة من الإسكندرية إلى أسوان حول اسم البدرى قد أعطى للاتحاد تماسكه ووضوح هدفه.
ولأننا اعتدنا أن يكون للفشل أب وللنجاح ألف أب فقد رأينا فى الأسابيع الماضية من يتصدرون شاشات التليفزيون ليتكلموا عن أصحاب المعاشات بينما أصحاب القضية رأيتهم بعينى وهم عائدون من المحكمة فى 21 فبراير الماضى ليصعدوا إلى مقرهم المؤقت فى 1 شارع كريم الدولة المتفرع من ميدان طلعت حرب، ولو كان لى حق إهداء هذا الانتصار إلى اسم مناضل لأهديته بلا تردد إلى اسم الدكتور رفعت السعيد خبير التنظيم التراكمى الذى لمح عدالة القضية قبل خمسة عشر عاما واستطاع مع حزبه توفير كل الدعم اللوجستى لذلك الاتحاد الوليد بل اختار مقر عملهم فى الصالة الرئيسية لمقر الحزب أمام مكتبه مباشرة وتركهم ليعملوا فى استقلالية كاملة دون تدخل فى أى قرار.
الآن وقد جاءت حزمة قرارات الرئيس عبدالفتاح السيسى من سحب استشكال وزيرة التضامن على حكم العلاوات الخمس إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لرد أموال المعاشات والتى تقترب من 600 مليار جنيه وكذلك التوجيه ببحث جاد لهيكلة جدول رواتب الموظفين فى مصر بما يتناسب مع الأسعار أستطيع أن أكتب عن زراعة الأمل.. عن التفاؤل عن الطريق الصعب الذى يؤدى لبلوغ الهدف، أستطيع أن أقول شكرا للدولة المصرية التى عرفت أن سر قوتها يكمن فى شعبها وأن العدالة هى مفتاح الأمن.
أما البدرى فرغلى ورفاقه فهم قصة كبيرة تحتاج إلى توثيق وكتابة من نوع مختلف، وأعتقد أن يومًا سيكتبها عدد من المخلصين.